(دروس ومقارنات)
:
أتكلم هنا عن العناصر الاستراتيجية والعملية وليس عن البعد الإيمانيّ والغيبي والذي لا شك أنه حاضر بقوّة في هذه الثورة.
:
1-أنها ثورة غير مؤدلجة، فقد بدأت بطريقة عفوية، ثم تحوّلت إلى (فصائلية) وقد دفعت أثمانا باهظة في هذه المرحلة نتيجة للخلاف بين الفصائل، ثم تمكنت من عبور هذه المرحلة لتتحول إلى ثورة شعبية هدفها الواضح والمعلن؛ التخلّص من النظام الطائفي الفاسد والمليشيات الأجنبية الداعمة له.
إن أخطر ما في الثورات أن يحتكرها تنظيم مؤدلج، لأن هذا سيفقدها التعاطف الشعبي كما أنه سيستعدي عليها كل من له خلاف أو تخوّف من هذه (الراية)
تخيل مثلا أن تنظيما يريد أن يقوم بثورة تحررية وهو في أدبياته وبرامجه التثقيفية الداخلية يسعى للإطاحة بأنظمة الحكم في كل دول المنطقة، فماذا تتوقع من هذه الأنظمة؟
.
2-أنها ثورة عامّة لم تقتصر على محافظة معيّنة أو تيار معين، وهذا على خلاف ما حصل في العراق مثلا، فالمقاومة العراقية ضد الاحتلال كانت منحصرة في المثلث العربي السنّي، ثم جاء الحراك السلمي وهو كذلك منحصر في هذا المثلث، بعد ذلك جاءت ثورة تشرين من الشباب الشيعي الناقم على الفساد وتردي الخدمات، لكنه كذلك لم ينجح في إقناع المكونات الأخرى.
.
في الحالة الفلسطينية هناك تشابه كبير مع الحالة العراقية، حيث تحرّكت غز ة لوحدها، ولا زالت تقاوم وحدها عدا بعض العناصر (الفصائلية) الموجودة في الضفة، أما عموم الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وما يعرف بالثماني والأربعين فموقفهم ربما لا يختلف عن الشعوب العربية الأخرى.
.
إنك إذا علمت بعد هذا أن قطاع غز ة لا يشكل إلا أقل من 2 بالمائة من مساحة فلسطين، على صغر مساحة فلسطين نفسها، علمت حجم المأساة لهذا القطاع وسهولة محاصرته وتجويعه وخنقه.
.
من الواضح أن سبب هذا التباين في الموقف الفلسطيني الفلسطيني هو أن إدارة حماس لغزة قد مكنها من صبغ غزة بصبغتها، وإعداد جيل يحمل رؤيتها وفلسفتها، لكن ذلك لم يتحقق في المناطق الأخرى،
.
أما في الحالة السورية فأنت تجد السوريين بالفعل كأنهم روح واحدة وجسد واحد، لم يشذ عنهم إلا شراذم الخونة والعملاء.
.
3-أن الثورة السورية صفّرت مشاكلها مع محيطها العربي والإسلامي وحتى العالمي، وحدّدت خصمها بدقة حتى تمكنت من عزله والانقضاض عليه.
إنه رغم استشهاد مليون سوري وتهجير أكثر من عشرة ملايين لم أسمع من قيادات الثورة السورية أي تأنيب أو تجريح بعمقها العربي والإسلامي، رغم التقصير الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى الخذلان.
.
بينما نرى في ثورات أخرى عواصف من القذف والسب والشتم، وكأنهم يصرّون على تقطيع آخر ما تبقى لهم من أرحامهم حتى على المستوى الشعبي، وهذا سلوك من يحاول أن يعبّر عن غضبه وانفعالاته ولا يريد أن يخدم قضيته.
.
مما يسجل في الحالة العراقية أنه رغم الحرب الضروس التي خاضها أهل الفلوجة وكل المثلث السني، وعدم تلقيهم أي دعم ملموس من أشقائهم بقي شعار أهل الفلوجة:
وقومي وإن ضنّوا عليّ كرام
ومن الواضح أن ثوار سورية قد تمثلوا هذا الموقف من بداية ثورتهم إلى الآن.
.
ولكن للإنصاف والموضوعية أيضا فإنه بعد أحداث رابعة ثم أحداث غزة الأخيرة بدأنا تسمع تثقيفا جديدا وغريبا لبعض التوجهات (الإسلامية) في العراق يتماهى مع توجه الجماعة الأم في توجيه بوصلة الحرب الإعلامية نحو (الدول العربية) بعيدا عن إيران ومليشياتها.
إن هذه الحالة النشاز ينبغي أن تحاصر بسرعة وبقوة، لأنها على أقل تقدير تعني خنق أهل السنة في العراق، وجعلهم منفردين أمام سطوة المليشيات الإيرانية التي تعمل جاهدة لتذويبهم ومحو شخصيتهم وربما استئصال وجودهم.
.
إن السنّي العراقي الذي يتصرف بأريحية ويبدأ بمحاكمة كل من حوله وكأنه قاض في محكمة وليس صاحب مشكلة يبحث لها عن حل، فتراه يهاجم السعودية وقطر والخليج كله، ثم يهاجم الأردن ومصر وحتى تركيا وكل دولة لم تقف الموقف المناسب مثلا تجاه غز ة، أو تجاه أي قضية أخرى ، إنه باختصار إنسان عابث، عابث بقضيته وقضية بلده ومستقبل أهله وأولاده، وهو عاجز أيضا عن تقديم أي شيء لا لغزة ولا لغيرها.
.
إن فقه إدارة الصراع أو إدارة الأزمات شيء، وفقه الفتوى والقضاء والمحاكمات شيء آخر.
.
وأخيرا هذه نصيحتي
:
إن كل صاحب قضية يريد أن يخدم قضيته ويحل مشكلته عليه أن يجلس ويتتلمذ في هذه المدرسة الكبيرة التي اسمها ؛ #سورية سورية الثورة وسورية الدولة وسورية الحضارة
.
سورية التي جمعت بين قوّة السلاح وقوة السياسة وقوة العلاقات وقوة الأخلاق وقوة الوعي.
.
في الملحق صورة لخارطة سورية تعبر عن تلاحم أبنائها على اختلاف محافظاتهم وتوجهاتهم.
وصورة أخرى قصدت بها توضيح حجم القطاع تجاه خارطة فلسطين، وهي كذلك توضح مدى الصبر الذي يتحمله أهل هذا القطاع المحاصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
.
١٠:٢٣ م · ١٥ مايو ٢٠٢٥
· نشر د. محمد عياش الكبيسي (@maiash10) في 10:23 م on الخميس, مايو 15, 2025:
https://t.co/QZEUfb5fJM
(المصدر)
:
أتكلم هنا عن العناصر الاستراتيجية والعملية وليس عن البعد الإيمانيّ والغيبي والذي لا شك أنه حاضر بقوّة في هذه الثورة.
:
1-أنها ثورة غير مؤدلجة، فقد بدأت بطريقة عفوية، ثم تحوّلت إلى (فصائلية) وقد دفعت أثمانا باهظة في هذه المرحلة نتيجة للخلاف بين الفصائل، ثم تمكنت من عبور هذه المرحلة لتتحول إلى ثورة شعبية هدفها الواضح والمعلن؛ التخلّص من النظام الطائفي الفاسد والمليشيات الأجنبية الداعمة له.
إن أخطر ما في الثورات أن يحتكرها تنظيم مؤدلج، لأن هذا سيفقدها التعاطف الشعبي كما أنه سيستعدي عليها كل من له خلاف أو تخوّف من هذه (الراية)
تخيل مثلا أن تنظيما يريد أن يقوم بثورة تحررية وهو في أدبياته وبرامجه التثقيفية الداخلية يسعى للإطاحة بأنظمة الحكم في كل دول المنطقة، فماذا تتوقع من هذه الأنظمة؟
.
2-أنها ثورة عامّة لم تقتصر على محافظة معيّنة أو تيار معين، وهذا على خلاف ما حصل في العراق مثلا، فالمقاومة العراقية ضد الاحتلال كانت منحصرة في المثلث العربي السنّي، ثم جاء الحراك السلمي وهو كذلك منحصر في هذا المثلث، بعد ذلك جاءت ثورة تشرين من الشباب الشيعي الناقم على الفساد وتردي الخدمات، لكنه كذلك لم ينجح في إقناع المكونات الأخرى.
.
في الحالة الفلسطينية هناك تشابه كبير مع الحالة العراقية، حيث تحرّكت غز ة لوحدها، ولا زالت تقاوم وحدها عدا بعض العناصر (الفصائلية) الموجودة في الضفة، أما عموم الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وما يعرف بالثماني والأربعين فموقفهم ربما لا يختلف عن الشعوب العربية الأخرى.
.
إنك إذا علمت بعد هذا أن قطاع غز ة لا يشكل إلا أقل من 2 بالمائة من مساحة فلسطين، على صغر مساحة فلسطين نفسها، علمت حجم المأساة لهذا القطاع وسهولة محاصرته وتجويعه وخنقه.
.
من الواضح أن سبب هذا التباين في الموقف الفلسطيني الفلسطيني هو أن إدارة حماس لغزة قد مكنها من صبغ غزة بصبغتها، وإعداد جيل يحمل رؤيتها وفلسفتها، لكن ذلك لم يتحقق في المناطق الأخرى،
.
أما في الحالة السورية فأنت تجد السوريين بالفعل كأنهم روح واحدة وجسد واحد، لم يشذ عنهم إلا شراذم الخونة والعملاء.
.
3-أن الثورة السورية صفّرت مشاكلها مع محيطها العربي والإسلامي وحتى العالمي، وحدّدت خصمها بدقة حتى تمكنت من عزله والانقضاض عليه.
إنه رغم استشهاد مليون سوري وتهجير أكثر من عشرة ملايين لم أسمع من قيادات الثورة السورية أي تأنيب أو تجريح بعمقها العربي والإسلامي، رغم التقصير الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى الخذلان.
.
بينما نرى في ثورات أخرى عواصف من القذف والسب والشتم، وكأنهم يصرّون على تقطيع آخر ما تبقى لهم من أرحامهم حتى على المستوى الشعبي، وهذا سلوك من يحاول أن يعبّر عن غضبه وانفعالاته ولا يريد أن يخدم قضيته.
.
مما يسجل في الحالة العراقية أنه رغم الحرب الضروس التي خاضها أهل الفلوجة وكل المثلث السني، وعدم تلقيهم أي دعم ملموس من أشقائهم بقي شعار أهل الفلوجة:
وقومي وإن ضنّوا عليّ كرام
ومن الواضح أن ثوار سورية قد تمثلوا هذا الموقف من بداية ثورتهم إلى الآن.
.
ولكن للإنصاف والموضوعية أيضا فإنه بعد أحداث رابعة ثم أحداث غزة الأخيرة بدأنا تسمع تثقيفا جديدا وغريبا لبعض التوجهات (الإسلامية) في العراق يتماهى مع توجه الجماعة الأم في توجيه بوصلة الحرب الإعلامية نحو (الدول العربية) بعيدا عن إيران ومليشياتها.
إن هذه الحالة النشاز ينبغي أن تحاصر بسرعة وبقوة، لأنها على أقل تقدير تعني خنق أهل السنة في العراق، وجعلهم منفردين أمام سطوة المليشيات الإيرانية التي تعمل جاهدة لتذويبهم ومحو شخصيتهم وربما استئصال وجودهم.
.
إن السنّي العراقي الذي يتصرف بأريحية ويبدأ بمحاكمة كل من حوله وكأنه قاض في محكمة وليس صاحب مشكلة يبحث لها عن حل، فتراه يهاجم السعودية وقطر والخليج كله، ثم يهاجم الأردن ومصر وحتى تركيا وكل دولة لم تقف الموقف المناسب مثلا تجاه غز ة، أو تجاه أي قضية أخرى ، إنه باختصار إنسان عابث، عابث بقضيته وقضية بلده ومستقبل أهله وأولاده، وهو عاجز أيضا عن تقديم أي شيء لا لغزة ولا لغيرها.
.
إن فقه إدارة الصراع أو إدارة الأزمات شيء، وفقه الفتوى والقضاء والمحاكمات شيء آخر.
.
وأخيرا هذه نصيحتي
:
إن كل صاحب قضية يريد أن يخدم قضيته ويحل مشكلته عليه أن يجلس ويتتلمذ في هذه المدرسة الكبيرة التي اسمها ؛ #سورية سورية الثورة وسورية الدولة وسورية الحضارة
.
سورية التي جمعت بين قوّة السلاح وقوة السياسة وقوة العلاقات وقوة الأخلاق وقوة الوعي.
.
في الملحق صورة لخارطة سورية تعبر عن تلاحم أبنائها على اختلاف محافظاتهم وتوجهاتهم.
وصورة أخرى قصدت بها توضيح حجم القطاع تجاه خارطة فلسطين، وهي كذلك توضح مدى الصبر الذي يتحمله أهل هذا القطاع المحاصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
.
١٠:٢٣ م · ١٥ مايو ٢٠٢٥
· نشر د. محمد عياش الكبيسي (@maiash10) في 10:23 م on الخميس, مايو 15, 2025:
https://t.co/QZEUfb5fJM
(المصدر)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..