إذا حدث لك أمرٌ يُزعِجك، وأقضَّ
مضجعَك؛ كفقْدِ ما تراه مَكْسبًا من مالٍ أو عزيزٍ أو شيءٍ له قيمةٌ في
حياتك، فاسأل نفسَك: أيُّهما أهون؟ أن يبقى
عندك ما خسرته، وتفقدُ صحَّتك
وراحتَك؟ أم تكسب صحَّتك وراحتَك، وتفوتُ محبوبَك ومطلوبَك؟
بلا شكٍّ أن جميعَ العقلاءِ - وأنت منهم - سوف يختارون الثانِي ولا بدَّ.
ماذا ينفعُ الإنسانَ لو امتلكَ الكرةَ
الأرضيةَ بأكملِها، وهو ملقًى على السريرِ الأبيضِ لا يتناولُ من الطعامِ
إلا ما يَسمَح به الطبيبُ، والإبرُ تَمْلأُ ذراوأجهزةُ مراقبةِ القلبِ
والنبضِ والضغطِ جاثمةٌ على صدرِه مقيِّدة يديه؟!
إن الفقراءَ الذين يَعِيشُون على قوتِ اليومِ، ويأكلون
ما وَجَدوا ولا يَسأَلون عما فَقَدوا - نادرًا ما يُصَابُون بالضغطِ
والسكرِ والقلقِ، ليس لأن طعامَهم أصحُّ من طعامِك، ولا فرشهم أفضلُ من
سريرِك؛ بل لأنهم عَرَفوا أن الصحَّة كنزٌ موجودٌ لديهم، فاهتَمُّوا به
أكثرَ من غيرِه، فقدَّموا النفيسَ على الخسيس، وعَلِموا أن البطنَ تملؤه
كسرةُ خبزٍ، والظمأَ يطردُه شربةُ ماءٍ، والقدر لا مفرَّ منه، والغِنَى
والكرامةَ والملك غدًا في حياةٍ باقيةٍ لا تزول ولا تحور: ﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 21].
كما أن هنا ثراءً؛ هناك ثراءٌ، كما أن هنا
أغنياءَ؛ هناك أغنياءُ، كما أن هنا فقراءَ؛ هناك فقراءُ، ورُبَّ فقيرٍ في
الدنيا غَنِيٌّ في الآخرة، ورُبَّ غَنِيٍّ في الدنيا ليس له رصيدٌ في
الآخرةِ.
لذلك أذكر لك:
جَلَس رجلٌ على نهرِ الفراتِ ومعه خبزةٌ
يابسةٌ يغمسُها في النهرِ ثم يأكلُ منها، ويقول: لو عَلِم الملوكُ وأبناءُ
الملوكِ ما نحن فيه من نعمةٍ، لجالدونا عليها بالسيوفِ.
أتدري مَن هو قائلُها؟
إنه رجلٌ عاش في الملكِ والنعيمِ، ثم تزهَّد في هذا النعيمِ، وترك الثراءَ
ومواكبَ الوزراءِ، وعاش كما يعيشُ الفقراءُ، فبينما هو على نهرِ الفراتِ
يغمسُ الخبزَ - الذي اشتراه من كسبِه وعرقِه - في الماءِ، ثم يأكلُه، إذا
به يجدُ لذَّة ما كان يجدُها حين تنصبُ له الموائدُ: عليها الفالوذج،
واللحم المشوي، ويقول وهو يأكل ذلك الخبز: لو عَلِم الملوكُ وأبناءُ
الملوكِ ما نحن فيه من نعيمٍ، لجالدونا عليها بالسيوفِ.
إنه إبراهيمُ بن أدهمَ العابدُ الزاهدُ، الذي جرَّب حياةَ الأغنياءِ، وحياةَ الفقراءَ، فوجد الثانيةَ أكثرَ لذَّة، وأفضل طعمًا.
ولستُ بذلك آمرُك أن تتركَ ما أنت فيه من
خيرٍ ونعيمٍ؛ وإنما أردتُ أن أبيِّن لك أن الراحةَ وطِيبَ النفسِ لا
تعدلُها الدنيا كلُّها؛ فاحرِص على الأهمِّ الأغلى، واهتمَّ بما لا يُعوَّض
على ما يُمكِن تعويضُه.
(في حال النقل من المادة، نأمل الإشارة إلى كتاب "ولكن سعداء.." للكاتب أ. محمد بن سعد الفصّام، والمتوفّر في مؤسسة الجريسي للتوزيع)
أ. محمد بن سعد الفصّام
تاريخ الإضافة: 8/11/2012 ميلادي - 23/12/1433 هجري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..