قبل البَدْء بأي عمل مهما كان بسيطًا، لا
بدَّ من معرفة أصوله وفنونه؛ ذلك أن نجاح أي عمل مرهون بتعلُّمه، والتعرف
عليه بشكل صحيح، وهذا الأمر بديهي، لكن بعضًا من الأمور قد يَغفُل الناس
عنها، فيظنون أنها لا تحتاج إلى تعلم، وأنها من السهولة بمكان، لكن وبعد أن
يباشروها، يدركون حجم الفشل الذريع الذي وقعوا فيه، وقد يحاول البعض
التهرب من خطئهم بعزو الفشل إلى أسباب خارجية أو تافهة، وهذا شأن التربية
أيضًا؛ فالتربية وتنشئة الجيل، ليست مجرد هواية، أو مجرد عادات، بل هي
عبارة عن علم قائم، له أسسه وأهدافه، وعندما يريد إنسانٌ أن ينجح في تربية
أطفاله، فالواجب عليه أن يتعلم أولاً أصول التربية، وطرق تحقيق أهدافها.
إن كثيرًا من فشلنا في تنمية جيل يحقِّق
آمالنا معزوٌّ إلى فشلِنا في كيفية تربيته، وكيفية التعامل معه، ونرتكب خطأ
آخر عندما نعزو فشلنا إلى الجيل الجديد، وأنه جيل متسيِّب، وجيل لا يهتم
بالإنجاز؛ كما نصرُّ نحن على وصفه!
إن الطفل في بداية عمره أشبهُ بالعجين،
وهو بالتالي يتشكل حسبما نريد وَفْق رؤيتنا، فإن كان لنا رؤية واضحة، وهدف
واضح، فإننا سننجح في ذلك، وإن كنا نترك تشكيله للزمن وحوادثه، فإنه من
المؤكِّد أن الفشل الذريع سيكون من نصيبنا.
ولتلافِي هذا الخطأ الذريع تُجَاه الأجيال القادمة، لا
بدَّ من وضع إستراتيجية تربوية من قِبَل الجهات المَعْنِية، وخصوصًا
جمعيات المجتمع المدني والجهات الحكومية؛ حيث تقوم هذه الإستراتيجية على
نشر ثقافة تربوية لدى الآباء والمعلِّمين، وإنشاء مراكز مختصة، تتابع تنفيذ
هذه الإستراتيجية، وتقوم بدورات تثقيفية للمُقْبِلين على الزواج في موضوع
التربية، والتعامل مع الطفل، وإنشاء مجلات إلكترونية، وورقية، مختصة في
شؤون التربية والثقافة التربوية.
وفي سيرة النبي - عليه الصلاة والسلام -
لمحات رائعة من التخطيط التربوي، وبث قيم التربية الإسلامية، التي من شأنها
إنشاء جيل نَهْضَوي، وكانت تعاليمه التربوية ليست مجرد كلمات، بل كانت
واقعًا مشاهَدًا.
فكان تعاملُه مع الصبية الصغار مثالاً
عمليًّا على القيم التربوية التي جاء بها الإسلام، فكان - عليه الصلاة
والسلام - يلعب مع الصغار ويمازحهم، وفي نفس الوقت يبث نصائحه وتعاليمه
للصبيان؛ فعن عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنهما - قال: "كنت غلامًا في
حِجْر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((يا غلام، سمِّ الله، وكلْ بيمينِك،
وكل مما يَلِيك))، فما زالت تلك طعمتي بعد[1].
إن هذه الرؤية التربوية هي التي أنشأت
جيلاً حمل راية الإسلام بقوة وعلم؛ لأنهم ربُّوا وَفْق تخطيط مُسبَق، لا
حسب عشوائية لا تعرف إلا الصُّدف.
إننا عندما ندرك أهمية التربية، وأهمية
نشر ثقافة تربوية في المجتمع قائمة على أسس علمية، فإننا نكون قد خطونا
خطوةً راسخة نحو مجتمع التقدم والرقي، وابتعدنا خطوات عن جيل ينتج نفس
السلبيات، التي وقعت فيه الأجيال السابقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..