الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فقد روى الحاكم في مستدركه بسند صحيح من
حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال:
بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن
ثعلبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا فأناخ بعيره على باب
المسجد فعقله ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد جالس
مع أصحابه فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أنا ابن عبد المطلب فقال: محمد قال: نعم قال: يا محمد إني سائلك ومغلظ عليك
في المسألة فلا تجدن علي في نفسك فإني لا أجد في نفسي قال: سل عما بدا لك
قال: أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك الله بعثك إلينا
رسولا؟ قال: اللهم نعم قال أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن
بعدك آلله أمرك أن نعبده ولا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد
التي كان آباؤنا يعبدون؟ فقال صلى الله عليه وسلم اللهم نعم ثم جعل يذكر
فرائض الإسلام فريضة فريضة الصلاة والزكاة والصيام والحج وفرائض الإسلام
كلها ينشده عند كل فريضة كما أنشده في التي كان قبلها حتى إذا فرغ قال:
فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسول وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب
ما نهيتني عنه لا أزيد ولا أنقص ثم انصرف راجعا إلى بعيره فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين ولى: إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة و كان ضمام
رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين ثم أتى بعيره فأطلق عقاله حتى قدم على قومه
فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به وهو يسب اللات والعزى فقالوا: مه يا
ضمام اتق البرص والجذام والجنون فقال: ويلكم إنهما والله لا يضران ولا
ينفعان إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا استنفذكم به مما كنتم فيه،
وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإني قد جئتكم من عنده
بما أمركم به ونهاكم عنه فو الله ما أمسى ذلك اليوم من حاضرته رجل ولا
امرأة إلا مسلمًا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فما سمعنا بوافد قوم كان
أفضل من ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه.
إنه رجل فطنٌ حصيفٌ ألمعيٌ رغم كبر سنه
وشيبته، لقد سأل عن الفرائض وتعهد بالالتزام بها دون غيرها، ومع ذلك لم
يقتصر بعمله على ما ذكره أمام النبي صلى الله عليه وسلم بل توجه إلى قومه
يدعوهم وهو يعتقد أن المسلم الحق لا بد له من عمل ميداني يقدمه للأمة، أما
الاقتصار على الفريضة دون زيادة فلا يليق بمسلم وكذا لا يليق به الجلوس
والاتكال والانزواء بحجة التزامه بالفرائض فقط.
من هنا نفهم أن الناس صنفان فاعل وغير
فاعل، نشط وخامل، مؤثر وغير مؤثر، مجتهد وكسول، وهذا ما تعانيه أمتنا اليوم
وهو ما كان يستعيذ منه الفاروق يوم أن قال: (اللهم إني أعوذ بك من جَلَد
الفاجر وعجز الثقة).
فالفاسق والفاجر والضال يعمل ويجتهد وينفق
ماله وجهده ووقته في سبيل ضلاله ومشاريعه، فتجده جلدًا قويًّا نشطًا
فاعلاً، وبالمقابل تجد الصالح الثقة الأمين خاملاً كسولاً منزويًا في جانب
الحياة، ولا يقدم شيئًا.
كلمة عميقة قالها الفاروق رضي الله عنه
وأرضاه، وهو يتحدث عن صدر الإسلام وجيل الصحابة والتابعين لهم بإحسان
وشكواه من جَلَد الفاجر وعجز الثقة فما بالك بزماننا نحن اليوم؟
وما أكثر الثقات العاجزين في زماننا، فثقة
مؤمن لكنه لا يتفاعل مع قضايا أمته ومجتمعه، وثقة مؤمن لا يصلح العيوب
التي يراها والخلل الذي يشاهده، وثقة مؤمن في مؤخرة الركب، وثقة مؤمن لا
يواجه المشاكل، ولا يجرؤ على خوض التحديات، وثقة مؤمن يفضل السلامة
والراحة، وثقة مؤمن يعيش على الهامش، وربما لكل أولئك أعذار كثيرة وكثيرة
تبرر لهم خمولهم وكسلهم وعدم تفاعلهم، رغم أن أمثالهم من أهل الضلال
والانحراف يعملون ويقدمون وينفقون.
أما علم المؤمن الثقة العاجز أن خموله هو
من مكَّن أولئك المنحرفين من ملأ الفراغ! أما علِم أن ترك دوره في التفاعل
مع قضايا أُمته، هو من أعان أهل الفجور والغي على الاستمرار في باطلهم؟
انظر في نبي الله يوسف عليه السلام: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]، وتأمَّل في نبي الله موسى عليه السلام: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، وانظر في حال ذي القرنين يوم أن بلغ مشارق الأرض ومغاربها.
نحن اليوم نعيش في عالم لا مكان فيه للخامل والكسول، والقاعد والعاجز، وهكذا قال ربنا جل في علاه: ﴿ لَا
يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ
وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى
الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ﴾ [النساء: 95].
ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه عمل مباشرة
دون توان أو تهاون، وهكذا فعل أبو دجانة رضي الله عنه؛ كما في الصحيحين من
حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفًا يوم أحد، فقال: (من
يأخذ مني هذا)، فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا، أنا، قال: (فمن
يأخذه بحقه)، فأحجم القوم، فقال: سماك أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، قال:
فأخذه ففلق به هام المشركين.
أُمتنا بحاجة إلى أمثال أبي دجانة، رجل
عامل فاعل صادق مؤمن ثقة، وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال: غاب عمي
أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: غبت عن
أول قتالٍ قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين، ليَرينَّ الله
ما أصنع، فلما كان يوم أُحد انكشف المسلمون، فقال: اللهم أعتذر إليك مما
صنع هؤلاء؛ يعني: أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء؛ يعني: المشركين، ثم
تقدم واستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني
لأجد ريحها من دون أحد، فقال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال
أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسيف، أو طعنة برُمح، أو رمية بسهم،
ووجدناه قد قُتِل ومثَّل به المشركون، فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه، قال
أنس: كنا نرى ونظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 23].
نحتاج إلى عامل في عدله ساهر على أُمته؛
أمثال: عمر رضي الله عنه حين يسأل عن قلة نومه، فيقول: (إن نمت في النهار
ضيَّعت رعيتي، وإن نمت بالليل ضيَّعت نفسي)، نحتاج إلى أمثال عثمان رضي
الله عنه، المتصدق بماله؛ حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إن عثمان اشترى
الجنة مرتين؛ مرة عندما اشترى بئر رومة، وأخرى عندما جهَّز جيش العسرة،
نحتاج إلى أمثال علي رضي الله عنه عامل في شجاعته يوم أن قال عنه النبي صلى
الله عليه وسلم لأعطينَّ الراية غدًا رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله
ورسوله.
أخي المسلم أختي المسلمة،
ليجد كل منا لنفسه دورًا بما يملكه من قوة وطاقة وقدرة، فالله عز وجل لا
يكلفنا إلا ما نطيق، فقد جاء رجل بنصف صاع من طعام في تبوك يوم أن حثهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فقال المنافقون :إن الله غني عن
صدقة هذا، فأنزل الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ
يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ
وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ
سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 79].
اعمل بما تملك ولو كان قليلاً، ولا تكن
مترددًا، ولا مهزوزًا، ولا ضعيفًا، حينها ستعود الأمة إلى مجدها وعزها
وقوتها، والله من وراء القصد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
المصدر
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..