كنت مذهولا وقد فغرت فمي على الآخر، وأنا أستمع ليافعين في الخامسة والسادسة عشرة من أعمارهما قبل عامين، وهما يلهجان بالثناء على أبو بكر البغدادي. الشابان اليافعان ابنا أحد أصدقائي من طلبة العلم في الرياض الذي أصرّ على
اصطحابي وقتها للبرّ، وكمل المشهد أمامي وأنا أناقش هذين الشابين عن "داعش" وقد أخذا إعجابا وإيمانا بهذا التنظيم المتطرف وفكره.
التفتّ وقتها لوالدهما، والرجل أكرمه الله بذرية كبيرة، والابنان فقط من توحّلا بهذا الفكر، وعاتبته على اعتناق الابنين هذا الفكر، وهو أحد أكبر المتصدين لداعش، وأتذكر أنه قال وقتها، ليس من الحكمة كبتهما ونهرهما كوالد، لأنهما سينتقلان للسرية ويسوء بهما الأمر، ولكن تركهما ليعبّرا بحريّة ويتناقشا معي أجدى وأفضل.
عدت للشابين أناقشهما، وكانا ككل من هم في مرحلتهما العمرية، لا يفكران إلا بالعاطفة الدينية التي تجتاحهما، وأتذكر أن طالب علم متميزا حضر، ولذت به قائلا لهما: "ربما كنت إعلاميا وغير متخصص في العلم الشرعي، فدونكم هذا الشيخ القادم، هو أحد أبرز طلبة العلم في المملكة". وقام الصديق بمحاورتهما، ولكنهما ككل لداتهما تعصّبا ورفضا كل الحجج الشرعية والعقلية، وعندما سألهما عن الشيخ الذي يأخذون منه، أجابا باسم طالب علم مغمور، قال صديقي عنه بأنه يعرفه ويعرف جهله وتخبطه.
عدت للشابين أناقشهما، وكانا ككل من هم في مرحلتهما العمرية، لا يفكران إلا بالعاطفة الدينية التي تجتاحهما، وأتذكر أن طالب علم متميزا حضر، ولذت به قائلا لهما: "ربما كنت إعلاميا وغير متخصص في العلم الشرعي، فدونكم هذا الشيخ القادم، هو أحد أبرز طلبة العلم في المملكة". وقام الصديق بمحاورتهما، ولكنهما ككل لداتهما تعصّبا ورفضا كل الحجج الشرعية والعقلية، وعندما سألهما عن الشيخ الذي يأخذون منه، أجابا باسم طالب علم مغمور، قال صديقي عنه بأنه يعرفه ويعرف جهله وتخبطه.
غادرتهم وقد تملكني الأسى والهمّ، فوالدهما صديق أثير في نفسي، والشابان في مقام ابنيّ، والتقيتهم لمَمَا بعدها، ولم تسنح لي الفرصة أن أسألهما عن حالهما وداعش، ولكني قبل يوم أمس، كنت مع والدهما وهو يلقي درسا في مدينة جدة، وبادرته بالسؤال عنهما بعد أن انفردت به، وأجاب مبتسما: "أقلعا عن ذلك الفكر والحمد لله، وباتا اليوم من أشد معارضيه". أجبته: "ما صنعت، ليتحولا، فقد غادرتهما ذلك اليوم، وأنا أنتظر أن أسمع أنهما هربا للعراق ليلتحقا بداعش، فليتك تخبرني كي يفيد الآباء الذين ابتلوا بلوثة أبنائهم بهذا الفكر من تجربتك".
أجابني الصديق: "كنت أترك لهما العنان في أن يبديا ما يريدان دون أي زجر أو غضب، مما يتلبس الآباء في العادة، وركزت على حوارهما ببث الأسئلة، والتركيز على الشبهات في فكر وسلوك التنظيم، وكانا يحاران، ويذهبان للمصدر الذي يناقشانه عبر الإنترنت، ويعودان لي بالإجابة، فأبرهن لهما تهافت ما ردّا به عليّ، وهكذا دواليك. بعد مغادرتك بستة أشهر فقط، عادا للصواب، لأن ذلك التنظيم المتطرف ودعاته يضيقون ذرعا بأسئلة من يناقشهم، فأولئك يريدون شبابا منقادين له دون أن يسألوا، وأبنائي اكتشفوا زيف وضعف أدلة التنظيم في الخروج على الحكام، واكتشفا عمالة داعش لإيران وغيرها، وأنهم كباقي الشباب السعودي والخليجي، مجرد أدوات عمياء لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية ضد أوطانهم، وهاهما اليوم يدحضان فكر داعش في كل مجلس ومنتدى".
كم فرحت، وتهلل وجهي والله بما بشرني من عودة الابنين، وهي تجربة فردية أقدمها عبر هذه المقالة للمسؤولين عن الأمن الفكري في الخليج، وبالتأكيد أن الآباء ليسوا كصديقي طالب العلم هذا الذي استطاع فضح فكر داعش بمناقشة شرعية عميقة،
ولكن أسوق تجربة شخصية أخرى قبل سنوات، لصديق فاضل كان مديري، شكا لي أن ابنه ترك كليته المرموقة في الجامعة، وذهب لسوريا وأنه استطاع إرجاعه بعد معاناة ولأي، وأن ابنه لا يزال مصرّا على الذهاب مرة أخرى. ناقشت الابن وقتها، وقلت له بأني سأحيلك لأحد العلماء الذين تثق بهم. ومرة أخرى، فهؤلاء الشباب لا ينصاعون لفتاوى كبار علمائنا الثقات، يحفظهم الله، ويرونهم علماء سلاطين،
لكنني وقتما ذكرت له اسم الشيخ محمد الحسن الددو، أجابني بأن هذا الشيخ لو قال له بعدم عينية الجهاد في سوريا، لقبلت منه. وفعلا أكرمني الشيخ الددو بالجلوس معه لساعة، وعاد الابن وقتها مرتاح القلب والضمير، وكان زفافه قبل أشهر بعد تخرجه من كليته، منخرطا اليوم في تنمية وطنه وخدمة دينه، بدلا من حزام ناسف، يفجع به أهله ووطنه، والحمد لله، لذلك أصرّ كثيرا على أن الوالدين في البيت هما الكشاف الأول لإصلاح ابنهما عبر توجيه الابن للعالم الشرعي أو إبلاغ السلطات الأمنية التي ستتعامل بحكمة لإرجاع ابنهما لجادة الصواب، بدلا من تفجير نفسه وإزهاق روحه وإلحاق العار بعائلته.
هذا الفكر سيزداد للأسف مع دخول روسيا الحرب، وفكره الآسن سيجثم في المنطقة لفترة، والله أعلم، بما قاله المبعوث الأمريكي المكلف بتنسيق عمليات التحالف ضد "داعش" الجنرال المتقاعد دون ألين قبل أشهر، من النصر على هذا التنظيم المتطرف ليس في الأفق، أما القضاء على فكره فسيتطلب "جيلا أو أكثر"، وأتصور بأن المهم اليوم التركيز على فضح قياداته البعثية، وذلك الحقد الذي يحملونه على دول الخليج، ودور إيران في تقديم المساعدة له، هو أمر ملحّ، وواضح أن التجنيد لداعش يتم عبر الإنترنت، ولذلك أعجبني ما فعلته الإمارات التي أطلقت مركز اتصالات رقميًا جديدًا في أبو ظبي يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي للرد على النشاطات الدعائية لتنظيم "داعش" الإرهابي على الإنترنت، وحمل اسم "صواب".
محمد بن راشد آل مكتوم كان مصيبا تماما وقتما قال في مقاله الذي نشره في الزميلة البيان، قبل عام: : "الشباب الانتحاري الساعي إلى الموت بسبب إيمانه بفكرة خبيثة، لن توقفه إلا فكرة أقوى منها ترشده إلى طريق الصواب، وتمنعه من الانتحار، وتقنعه بأن الله خلقنا لعمار الأرض، وليس لدمارها".
بقلم:عبدالعزيز قاسم
صحيفة الشرق القطرية
مواضيع مشابهة - أو -ذات صلة :
بقلم:عبدالعزيز قاسم
صحيفة الشرق القطرية
مواضيع مشابهة - أو -ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..