الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016

عواء الذئاب

         يبدأ فيلمٌ وثائقي بمنظر لقطع رأس شخص بالسيف ثم صور تم ادخالها ببعض و بتسارع مقصود مع أصوات بكاء و نداءات استغاثة و شكوى عن الظلم و الاستبداد و كبت المرأة و أنّ الطفل يُعلَّم اعتبار المسيحيين و اليهود كفاراً يجب قتلهم منذ نعومة أظفاره ثم يخرج صوت يُعلّق على تلك المشاهد ليقول :"هذه ليست داعش ، هذه المملكة السعودية حليفتنا" !
الأسبوع الماضي فاجأتنا صحيفة New York Times الأمريكية الشهيرة و المقرّبة من البيت الأبيض بنشر مقال لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حمل عنوان استفزازياً يقول: "لنخلص العالم من الوهابية" و وُضِعَتْ معه صورة أكثر استفزازاً لعَلَمٍ أخضر يحوي سيفاً كعلم المملكة و كلاشنكوف بدلاً من كلمة التوحيد ، تخيّلوا أنّ وزير خارجية جمهورية دموية كانت ضمن"محور الشر" أصبّح يتحدّث بصيغة الجمع و يتحدّث بشفقة على العالم لتخليصه من الشر ، تماماً كالساقطة التي تحدّث الناس عن الشرف!
في هذا المقال جمع ظريف من الأكاذيب الكثير كعادة حكومة الملالي و شن على المملكة السعودية هجوماً عنيفاً ملأه بالتلفيقات و دغدغة مشاعر الأمريكان بالكلمات التي يحبونها كالإرهاب و الوهابية و التذكير بهجمات سبتمبر و التي ادّعى أن "الوهابية المسلّحة" هي من يقف وراءها بل و وراء كل الفوضى في الشرق الأوسط و بحار الدم في العراق و سوريا و لبنان و اليمن ، كان حديثه سيكون صادقاً تماماً لو وضع بدل اسم السعودية اسم جمهورية الشر إيران ، لكنه عرف أن الرياح تهب من أروقة البيت الأبيض و الكونغرس في أشرعته فساق من الهجوم على المملكة أموراً لا يقرّها مراقب منصف ، لكن كما قال عرّاب الدعاية غوبلز :"اكذب اكذب حتى يصدّقك العالم" !
هذه الأيام تتعرّض المملكة لأعنف حملة إعلامية غربية منذ الحرب الباردة تستهدف تصويرها كرأس الشر الجديد و أنها ذاك العدو الذي كان يدّعي التحالف لكنّه منشئ و مموّل و منظّر لكل جماعات الإرهاب التي تستهدف الحضارة الغربية ، لذلك لم يتوّرع الغربيون و الأمريكان تحديداً من نبش كل الملفات القديمة و التدخل في كل تفاصيل الشأن الداخلي السعودي و وضع مجهر مكبّر لكل شئ و تعميم الحالات الاستثنائية و اجتزاء الحقائق و التعامل بانتقائية لكل ما يخص قرارات و أحكام المملكة لشيطنتها و تثبيت الصورة القاتمة لها في مخيّلة الرأي العام تمهيداً لـ"شرعنة" تمرير ما يبدو أنه "تعهّد" تم أخذه بسرّية !
التعهد كان للشيطان الحقيقي في طهران ، و التي يُرجّح يوهان غالتونج الحائز على نوبل في مجالات أبحاث السلام أنّ هذه الهجمة الاعلامية المسعورة ضد السعودية ليست إلا جزءاً من الثمن الذي طلبته إيران لتوقيع الاتفاق النووي مع أمريكا و حلفائها ، لذا يُلاحَظ أنّه لا يُهاجِم السعودية سوى إعلام تلك الدول فقط ، و حتى لا يظن البعض المبالغة في ذلك أحب التذكير بمقال نشرته صحيفة Wall Street Journal للصحفي جيه سولمون ذكر فيه سماعه شخصياً من مسئولي التفاوض الأمريكان و الايرانيين في عُمان عندما أعلن أوباما أنه سيقصف قوات بشار الأسد لاستخدامه السلاح الكيماوي في أغسطس 2013 فقاموا بالتنبيه للبيت الأبيض أنّه لا يمكن التقدّم في المفاوضات إذا تم مهاجمة حليف إيران ، و أُلغي القرار لأن ايران تلعب جيداً فأحياناً تلعب بورقة المشروع النووي و أحياناً بالمشروع التوسعي ، هناك دائماً ورقة ضغط تُجيد استخدامها لِلَيّ الذراع الغربية!
رأس الحربة في الهجوم على السعودية لتبديل الأدوار مع إيران في من هو الحليف الموثوق و من هو العدو الغادر هو اللوبي الايراني في واشنطن و المسمّى NIAC و الذي يترأسه المحلل السياسي تريتا بارسي ، و الذي لعب دوراً كبيراً في الاتفاق النووي و حالياً نجح في تأسيس جبهة حرب عارمة ضد المملكة في مراكز القرار و وسائل الاعلام الأمريكية ، فالمشروع الايراني التوسعي لن يستمر مستقبلاً إن لم يحظَ بمباركة و دعم الغرب و هذا لن يحدث ما دامت السعودية هي مركز الاسلام ، فالحل هو تقديم ايران كبديل تقدمي و ممثل للاسلام الذي يريده الغرب فلم يسبق للاسلام "الايراني" أن دخل في حرب مع الغرب منذ ظهور الاسلام عكس الاسلام السني الذي تمثله السعودية ، و لأن كلمة "سنّي" خطيرة لأنها تمثل قرابة مليار ومئتي مليون إنسان في العالم تم الاستعاضة عنها بكلمة "وهابي" للتدليس بأن المراد فقط السعودية !
الهجوم على المملكة و بالتبعية علينا في الخليج كبير و لن يكون آخرها اقرار الكونغرس قانون حق مطالبة أهالي ضحايا 11سبتمبر للسعودية بالتعويضات في سابقة غير معهودة في العرف الدولي و التعدي على هيبة الدول و مبدأ الحصانة السيادية ، لكنّه دليل أن بوصلة الغرب تتجه لايران لا لنا و علينا قبول هذه الحقيقة ، و الأهم قبول حقيقة أننا فشلنا إعلاميا بصورة مخجلة !
إعلامنا في مجمله ارتجالي يعتمد على ردّات الفعل و الفَوَران الوقتي للتعامل مع الأحداث لذلك تأتي طروحاته متشنجة قائمة على التبرير و الوقوع في شَرَك موقف المتّهم الذي يحاول اثبات براءته ، و عندما يُغرق اللوبي الايراني المشهد الأمريكي بكتّاب و محللين ايرانيين أو أمريكيين من أصول ايرانية يقومون بتسويق الرؤية الايرانية و تجميلها و تلفيق الأكاذيب علينا نجد أن أقصى طموح العرب أن يكتبوا مقالاتهم بلغتهم لأنفسهم في صحفهم المحلية !
     نحتاج خططاً ممنهجة و عقولاً إعلامية فذّة قادرة على إدارة هذه المعركة الخطيرة التي قلبت العالم علينا بالحبر و المايكروفون و نحن ننام في العسل ، و التواجد هناك وحده لا يكفي و لا الفعاليات السخية التي نقوم بها بحُسن نيّة لأنها من السهولة بمكان أن توظَّف ضدنا من اللوبيات الايرانية و ادّعاء أنها محاولات لتجميل صورتنا ، و المطلوب هو مخاطبة النُخَب المثقفة بالفكر و المنطق برتمٍ مستمر لاعادة تشكيل صورتنا "المشوّهة" في الخيال الغربي ، أقول برتمٍ مستمر و ليس انفجاراً مؤقتاً كبركان لا يلبث أن يخمد ، فردّات الفعل المتشنّجة تعتبر غالباً تبريراً لا تفنيداً !
الذئاب من حولنا كثيرة ، و جائعة ، و قد علا عواؤها كثيراً  ، و هي لن تحترم الحملان الوديعة بل لا تبحث إلا عنها ، الذئاب لا تحترم إلا ذئباً مثلها فقط !
.
!
بقلم:
عوض بن حاسوم الدرمكي
المصدر
------------------------

مواضيع مشابهة أو ذات صلة :

استراتيجياتنا الإعلامية الغائبة !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..