الأربعاء، 7 سبتمبر 2016

زغلول النجار و الإعجاز العلمى للقرآن

        يخطئ كثير من الناس حين يحرصون على أن يتضمن القرآن الكريم كل نظرية علمية. وكلما ظهرت نظرية, إلتمسوا لها محملا فى آية, أو مخرجا فى تأويل بما يوافق هذه النظرية. ومنشأ الخطأ هنا أن العلوم تتجدد نظرياتها مع الزمن تبعا لسنة التقدم. فلا تزال فى نقص دائم ينشد الكمال. وهؤلاء يسيئون إلى القرآن الكريم من حيث يظنون أنهم يحسنون صنعا. وإعجاز القرآن الحقيقى ليس فى إحتوائه على النظريات العلمية التى تتجدد وتتبدل وتكون ثمرة للجهد البشرى فى البحث والنظر, وإنما فى حثه على التفكير والبحث والتأمل. فهو يحث الإنسان على النظر فى الكون وفى النفس وفى الخلق وتدبره. ويكفى أن نعلم أن كل ثمانية آيات قرآنية, بها آية تحض على إعمال العقل والنظر والتأمل والتفكر. وإنى لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا الإعجاز العلمى, الذين يحاولون أن يضيفوا إلى القرآن ما ليس فيه. وأن يستخرجوا منه جزيئات فى علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها, كأنما ليرفعوه بهذا ويكبروه.

العلوم ليس لها دين أو وطن. وليست لها أيديولوجية أو عواطف. ولا تعرف معنى للحق والعدل أوالشفقة والرحمة. إنما هى مجموعة بديهيات وقوانين منطقية تحاول إكتشاف أسرار الكون حسب المفهوم الإنسانى. وتحاول كشف طبيعة الأشياء. وهى محايدة فى بحثها الدؤوب عن الحقيقة النسبية التى نفهمها وتناسب عقولنا. وتحكمها فى ذلك التجربة والمشاهدة وعدم التعارض المنطقى بين قوانينها وبديهياتها. ويمكن تلخيص الأسلوب العلمى المتفق عليه فى الخطوات التالية:

1-الملاحظة

2-الفروض (ناتجة من الملاحظة)

3-التنبؤ (بإستخدام الفروض)

4-التجربة (لإختبار صحة التنبؤ)

5-تكرار 3 و 4 حتى تتفق التجربة مع التنبؤ ويزال التعارض, فى هذه الحالة يسمى التنبؤ "نظرية". ومتى وجد التعارض, تسقط النظرية ويبحث عن غيرها بنفس الأسلوب.

محاولة إخضاع العلوم لأيديولوجية معينة أو دين بالذات هى جهود ضائعة وإضرار بالعقل والخلق, وكارثة لتقدم الإنسان. فقد حاول الإتحاد السوفيتى السابق فى عصر ستالين صبغ بعض العلوم بالصبغة الماركسية, وحاول تصنيفها إلى علوم تؤيد الفكر الإشتراكى, وأخرى تتعارض معه. لكن هذه المحاولات باءت كلها بالفشل الذريع, وكانت النتيجة كارثة علمية. ففى أوائل الثلاثينات من هذا القرن, قاد عالم البيلوجيا "ليزنكوف" حملة إرهاب فكرى ضد باقى علماء البيلوجيا الذين يعارضون أفكاره ونظرياته التى قام بتحريفها لأسباب سياسية كى توائم النظرية الماركسية. وقام بتشريد العلماء المعارضين, وبالتحريض على قتلهم فى بعض الأحيان. كما حدث بالنسبة لعالم البيلوجيا "فافيلوف", الذى أعدم بسبب عدم موافقته على نظريات ليزنكوف.

وقام الإتحاد السوفيتى أيضا بمنع تدريس نظرية التطور لدارون, وتبنى بدلا منها نظرية "لامارك", الذى يقول بأن التطور يحدث بسبب عوامل البيئة والمجتمع, بعكس دارون الذى بنى نظريته على مبدأ الإختيار الطبيعى (البقاء للأصلح). والغريب أن نظرية دارون ظلت مرفوضة داخل الإتحاد السوفيتى حتى عام 1965م. لذلك تأخرت علوم البيولوجيا فى الإتحاد السوفيتى عن مثيلاتها فى الغرب. وتأخرت الزراعة وإنتاج المحاصيل, وكانت كارثة على الإقتصاد السوفيتى, وكانت من أهم الأسباب التى أدت إلى عزل خروتشوف فى أوائل الستينات.

هذه المقدمة كان لا بد منها للتحذير من المحاولات التى تقوم بها جمعية المنتفعين بالإعجاز العلمى للقرآن. ومن رواد هذه الجمعية المرحوم عبد الرزاق نوفل والدكتور جمال الدين الفندى فى الماضى, والدكتور مصطفى محمود والدكتور زغلول النجار فى الحاضر. والدكتور زغلول بمفرده ظاهرة تستحق الدراسة المتأنية. فأول ظهوره كان فى برنامج نور على نور للمرحوم أحمد فراج. فى البداية قدم لنا تفسيرا للآيات الجيولوجية فى القرآن بإعتباره أستاذ جيولوجيا, لكنه تمادى فى الموضوع وعرج على التفسيرات البيولوجية والفيزيائية والكيميائية والزراعية والفلكية. ثم جنح إلى السنة والأحاديث النبوية بدهاليزها. يخوض فيها بكل حرية وجرأة يحسد عليها, دون خوف من رادع أو حسيب أو رقيب. ولسان حاله كما يقول طرفة:

يا لك من قنبرة بمعمر --- خلا لك الجو فبيضى واصفرى

ونقرى ما شئت أن تنقرى --- قد رحل الصياد عنك فابشرى

ورفع الفخ فماذا تحذرى --- لابد من صيدك يوما فاصبرى

وبذلك تراكمت ثروته, وأصبح مؤسسة تمشى على قدمين, تدعمه مؤسسة أكبر هى هيئة الإعجاز العلمى بالسعودية والتى, كما يقول الدكتور خالد منتصر, قد تسرطنت وصارت مافيا تتحدث بالمليارات. مستغلة الجهل المطبق والفقر المدقع وعقدة النقص المزمنة التى يعيشها المسلمون. فقامت بضخ الأموال فى جيوب سماسرة الإعجاز العلمى, وعقدت المحاضرات وجندت القنواة الفضائية للتغرير والتخدير. مما جعل المسلمين ينامون مرتاحى البال. فقد إنتصروا على الغرب الكافر وسبقوه إلى إكتشاف أحدث النظريات العلمية. وكان الأحرى بهذه الهيئة توجيه هذه الأموال والجهود للبحث العلمى الحقيقى فى الطب والذرة والصناعة والزراعة بما يفيد الأمة الإسلامية. لكى تنهض من كبوتها, وتخرج من غيابة الجب وظلمات القرون الوسطى .

المشكلة هى أننا الأحط والأفقر والأجهل والأمرض. لا لأننا لم نقم الصلاة ونؤت الزكاة ونصوم رمضان ونحج إلى البيت العتيق. أو لأننا لم نحفظ الفروج ولم نطمس ثلمة الأثداء. أو لأننا لم نكتشف سر الإعجاز العلمى فى القرآن. ولكن لأننا لم نتبع الخطوط العريضة والقيم الرفيعة التى وضعها القرآن الكريم من عدل وحرية وتفكر وتدبر وتأمل فى النفس والكون, والحث على الجد والإجتهاد.

القائمون على الإعجاز العلمى للقرأن هم مجموعة مرتزقة مشكوك فى قدراتهم العلمية ومكانتهم الفقهية. كما أن الطريقة التى يستخدمونها فى إثبات الإعجاز العلمى غير سليمة. ولا تخضع لمنطق أو قواعد العلم المتعارف عليها. ولا يمكن إثبات صحتها أو خطئها. والشئ الذى لا يمكن إثبات صحته أو خطئه ليس علما, وإنما هو دجل وتهريج. ويمكننا بنفس الأسلوب إستخراج إعجاز علمى من أى دليل تليفونات, إذا بذلنا نفس المجهود و الأموال. والأمثلة الآتية توضح ذلك:

1- موريس بوكيه طبيب فرنس إعتنق الإسلام وله عدة مؤلفات إسلامية أهمها كتاب الإنجيل والقرآن والعلوم. والكتاب بإختصار يحاول إثبات أن القرآن كتاب علمى بينما الإنجيل ليس كذلك. وطريقة موريس بوكيه بسيطة يمكن أن يستخدمها أى إنسان. وهى البحث فى آيات القرآن, التى تحمل عدة معان, على معنى يطابق نظرية علمية حديثة. فإذا لم يكن التطابق تاما, يقوم بوكيه فى هذه الحالة بتغيير المعانى حتى يجعل الآية تطابق النظرية العلمية. فمثلا يقول فى كتابه أن القرآن تنبأ بوجود عوالم أخرى كثيرة غير عالمنا هذا, لأن القرآن ذكر السماوات السبع, والرقم 7 عند اليونانيين والرومان يدل على التعدد والكثرة. وبذلك لا يكون هناك عوالم 7 فقط, ولكن عوالم كثيرة مثل عالمنا هذا, وأراضى كثيرة مثل أرضنا هذه. أى أن الرقم 7 فى القرآن لا يعنى سبعة ولكن يعنى التعدد والكثرة. أليس هذا تلفيق؟ وهل هذا علم؟

2- يقول الدكتور زغلول النجار أن الأراضى السبعة التى ذكرت فى القرآن تعنى طبقات القشرة الأرضية السبعة. ولكن العلماء تقسم طبقات القشرة الأرضية إلى 15 طبقة وليس 7. وكذلك يقول أن مفاصل الإنسان, وهو يستند هنا إلى حديث نبوى شريف, عددها 360 مفصل وهذا إعجاز علمى, ولكن علماء التشريح وجدت أن عدد المفاصل يتراوح من شخص لآخر, وعددها فى المتوسط 305 مفصلا. أليس هذا تلفيق وتزوير.

3- يصف الدكتور النجار حديث الذباب بأنه إعجاز علمى لأن أحد جناحى الذبابه عليها الميكروبات والجناح الآخر عليه المضادات الحيوية التى تقتل الميكروبات. فهل لديه إثبات لذلك, وهل قام بتصنيع مضادات حيوية من أجنحة الذباب لكى يسبق بها الغرب؟ أليس من الأفضل بالنسبة له أن يدعوا المسلمين ويقود حملة للنظافة والقضاء على الذباب كما فعلت الصين؟

4- الدكتور زغلول النجار يقول أيضا وهو أستاذ الجيولوجيا بأن فوائد الجبال هى الحفاظ على تماسك الكرة الأرضية لأنه لولا وجود هذه الجبال لتطاير كل شئ على سطح الأرض فى الفضاء الخارجى. وبدلا من أن يترك تفسير القرآن إلى المختصين نجده يحاول أن يقحم القرآن فى قضايا علمية تضر بالمسلمين وتتعارض مع القوانين العلمية الحديثة مثل قوانين الجاذبية ونظرية النسبية العامة التى تفسر حركة الكواكب والنجوم والمجرات بدقة بالغة. وموقفه من نظرية التطور لدارون غاية فى الغرابة. فهو يرفض النظرية بإباء وشمم. ويرفض دراستها أو مناقشتها. ولا يعترف بالشواهد والبراهين التى تسوقها النظرية, بحجة أنها رجس من عمل الشيطان جاء به الغربيون لإثبات أن الخلق بدون خالق. وذلك لغرض فى نفس يعقوب.

5- يفسر الدكتور زغلول الآية الكريمة التى تقول "السماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب.." بأن الطارق هنا فى الآية الكريمة هو النجم النيترونى "بولسار" والذى يبعث موجات راديو فى نبضات. تبطئ فتشبه نبضات القلب, وتسرع فتشبه الطرق على الباب. والنجم الثاقب تعنى فى رأيه أنه النجم الذى تثقب طرقاته صمت السماء. ولكن إجماع كتب التفسير تقول بأن "الطارق أصله ما يَطْرُقُ الإنسانَ ليلا، فإذا جاء إنسان إلى أهله أو إلى آخر في الليل فإنه يُسَمَّى طارقا. والمراد بالثاقب: النجم المضيء الذي يثقب بضوئه ظلمة الليل". وواضح أن الدكتور زغلول يختلف مع كتب التفسير كلية. وواضح أيضا مجهوده فى طبخ المعانى وتحويرها كى تتفق مع إعجازه العلمى. ولكن هذا للأسف ليس إعجازا أو علما.

6- باحث آخر من المشتغلين بأمر الإعجاز يقول بأن الإسلام قد إكتشف نظرية النسبية الخاصة قبل أينشتين ب 1400 سنة. وإستشهد على ذلك بحادث إسراء الرسول ومعراجه وعودته إلى داره فى زمن قصير. وأغفل أن نظرية النسبية الخاصة تقول عكس ذلك تماما. لأن الحركة بسرعة إلى السماوات ثم العودة منها يستغرق من الزمن الأرضى آلاف السنين. وإذا واجهته بهذه الحقيقة, سوف يبادر إلى القول بأن الله قادر على كل شئ. فهل هذا إعجاز علمى أم تهريج.

7- ضابط مهندس بالجيش المصرى قدم بحثا فى مؤتمر الإعجاز العلمى عام 1976م يقترح فيه إستخدام قنابل مفرغة من النحاس. لأن القنابل النحاسية عند إنفجارها تحدث موجات تقتل أعداء الإسلام من إنس وجن. إسرائيل تصنع القنابل الذرية ونحن نصنع القنابل من النحاس المفرغ لقتل الإنس والجن.

8- عضو فى منظمة الدفاع والتكنولوجيا بباكستان يقترح فى مؤتمر الإعجاز العلمى إستخراج الطاقة من الجن. لأن الجن يخلقون من الميثان والكربون والهيدروجين. وبذلك يكون إحتراقهم بدون دخان. وأضاف فى بحثه أنه قد توصل بعد تفكير عميق إلى أن الجن لا بد أن يكونوا هم أنفسهم الجنس الأبيض الأوروبى. بالذمة ده كلام علمى.

والأمثلة على هذا السفه لا تحصى ولا تعد. ولقد كان الشيخ شلتوت رحمه الله يعارض هذا الإتجاه ويقول: "لسنا نستبعد إذا راجت عند الناس فى يوم من الأيام نظرية, أن يأتى إلينا مفسر من هؤلاء فيقول أن هذه النظرية قال بها القرآن الكريم منذ مئات السنين. هذه النظرة خاطئة من غير شك. أولا- لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتابا يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلم ودقائق الفنون والمعارف. ثانيا- لأنها تحمل أصحابها والمغرمين بها على تأويل متكلف يتنافى مع الإعجاز ولا يستسيغه الذوق السليم. ثالثا- لأنها تعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم فى كل زمان ومكان والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الراى الأخير, وما يصح اليوم قد يصبح غدا من الخرافات."

وتقول الدكتورة بنت الشاطئ: "لا بد أن يكون فهمنا لكتاب الإسلام محررا من كل الشوائب المقحمة والبدع المدسوسة. بأن نلتزم فى تفسيره ضوابط منهجية تصون حرمة كلماته. فنرفض بها الزيف والباطل, ونتقى أخذة السحر وفتنة التمويه وسكرة التخدير" وتحذر بنت الشاطئ من أن: "التفسير العلمى يبدو فى الظاهر منطقيا ومعقولا يلقى إليه الناس أسماعهم ويبلغ منهم غاية الإقناع دون أن يلتفتوا إلى مزالقه الخطرة التى تمسخ العقيدة والعقل معا. وتختلط فيها المفاهيم وتتشابه السبل فتفضى إلى ضلال بعيد. إلى أن نعتصم بإيماننا وعقولنا لنميز هذا الخلط الماسخ لحرمة الدين, والمهين لمنطق العصر وكرامة العلم."

وتضيف الدكتورة ليلى أحمد الأحدب فى مقال لها عن خطورة هذا الإتجاه:

"البيانات المطلقة التي تبحث معاني القرآن والتي تدعي بأنه يشمل العلوم جميعها من كل حقل وميدان تبدو خالية من أي سند قوي في التراث الإسلامي، بيانات مثل تلك التي تذهب إلى حد القول في بعض الأحيان إن القرآن هو منهج مقرر في العلوم، هي أقوال لا يمكن أخذها على محمل الجد من قبل علماء متزنين عاقلين ناضجين ومسئولين، فمن جهة، فإن التوجه الذي تقوم على أساسه تلك البيانات المفعمة بالحمية قد تنتهي إلى وضع مخالف لهدفها مهما كانت الدوافع العاطفية إذا ما أخضع القرآن إلى التطور العلمي المستديم وإخضاع العلماء المسلمين إلى تبعية ذليلة بوضعهم على الدوام في وضع المتتبع لإنجازات العلم واختراعاته وإرغامهم على تحميل الآيات ما لا يجب تحميلها من تأويلات لجعلها مطابقة للمخترعات الجديدة."

وإننى أتعجب من وجود صفحة أسبوعية كاملة فى جريدة الأهرام, التى يفترشها الدكتور زغلول النجار (أو كان) بمفرده, وهو الأمر الذى لم يتوافر لعمالقة الفكر والأدب والعلم فى تاريخه. لكنه زمن الدروشة والتجارة بالدين ونجوم الفضائيات وسماسرة الفتاوى وفلوس البترول.

العلم مختلف عن الدين. ولا يجب مزج الخل بالزيت فى هذه الحالة. فالعلم هو التساؤل دائما, أما الدين فهو اليقين الثابت. العلم شك وعلامات إستفهام وقلق وإثبات وبرهان, والدين إجابة وإطمئنان وثقة وحسم. العلم ميكريسكوب وتليسكوب وتجارب ومشاهدة, والدين كتب مقدسة وفتاوى وفقهاء. إخراج العلم من المعمل إلى المسجد يجعل معيار النجاح هو المطابقة للنص الدينى, وليس للبيانات والمشاهدة. فالتجربة تتحول إلى آية أو حديث. وتصبح الحجامة صحيحة , وكذلك جناح الذبابة وبول الإبل. لا لأنها ثبتت بالتجربة, ولكن لأنها ذكرت فى حديث, الله أعلم مدى صحته. ويصبح العسل دواء لمرضى السكري والأطفال دون السنة الأولى, رغم خطورة ذلك على حياتهم, لأن المفسرين جعلوا منه شفاء بصفة عامة دون إستثناء.

التفسير العلمى يغرى رجال الدين بالتدخل فى شئون العلم وتعطيل تقدمه. ولقد رأينا ماذا حدث للعلم فى العصور الوسطى فى أوروبا. ونحن الآن نتدخل فى شئون العلم, ونحجر على الرأى, ونتخبط, ونمنع نقل الأعضاء, ثم نجيزه بشرط أن يكون بين أبناء الدين الواحد. وهذا فى حد ذاته كارثة وطنية وخلقية وإجرام يدل على سفه وإستهتار وغباء ليس له مثيل. ونتدخل فى موضوع ختان الإناث. ولا نستطيع أن نستقر على حال فيما يخص تحديد بداية شهر رمضان وكأننا أمام مدلهمة عظمى أو مشكلة فى تصنيع القنبلة الذرية. بينما تحديد بداية الشهر القمرى تتم بسهولة ويسر بالطرق العلمية. وبذلك يتحول علماء المسلمين إلى دراويش تطلق البخور وتضرب صنج الصوفية وتدور حول نفسها وهم يبحثون فى فوائد المسواك وبول الإبل وأكل الداتورة وجوزة الطيب على الريق. يمارثون ذلك وهم يعرفون أنهم يدجلون. ينصبون ويؤلفون ويركنون إلى الدعة والترهل الفكرى, إلى درجة أن بعضهم يفسر تقدم الغرب بأنه تسخير لخدمة المسلمين. هم يتعبون أنفسهم, ونحن نأكل على الجاهز. المشكلة أن هؤلاء المشتغلين بالدجل العلمى, يلتحفون بالدين ويختبؤن فى عباءته. ويظنون أنهم فى أمان من النقد والهجوم. لأن من منا يجرأ على نقد راسبوتين وهو ملتحف بالسلطة والدين.

العلوم تبدأ بالفروض والبديهيات وتنتهى بنتائج جديدة. أما الإعجاز العلمى عندنا فيبدأ بالنتائج وينتهى بنفس النتائج. وهذا يحول البحث العلمى عندنا إلى أسلوب يستخدم أى شئ, سواء كان منطقيا أو غير منطقى, لتأكيد ما نعتقد به مسبقا. وهذا إضرار بالعقل والخلق والإسلام والمسلمين.

لقد وصلنا إلى حالة فكرية بائسة. وأصبحنا نعيش فى وطن بلا دماغ. وأصبح المواطن منا كائن ممسوخ مرعوب من بطش الحاكم ومن سيطرة رجل الدين. هذا يستعبده جسمانيا وذاك يستعبده روحيا. ولا يستطيع الفكاك أو التحرر من قيود الحاضر وثقافة الماضى. مواطن يعيش ثقافة ميته فى رحلة تردى لا تعرف التوقف. لقد أصبحنا مهزلة للعالمين نعيش فى مجتمع يتجه إلى كارثة محققة. وإنتهينا إلى إفلاس فكرى وحضارى ليس له مثيل. وليس أمامنا سوى مشروع جمعية وطنية من المثقفين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه, أو سفينة نوح من فكر جديد للتنوير والخلاص من مسلمات لا فكاك منها. حتى نستطيع أن نعيش كباقى شعوب الأرض بشئ ولو يسير من الكرامة والإباء. فهل من مجيب؟
...............................................................
بقلم : محمد زكريا توفيق
..................................

المصدر
zakariael@att.net


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..