الأحد، 4 فبراير 2018

عبدالعزيز قاسم يكتب : *عوض القرني.. وشهادة للتأريخ !!*

        مقالتي الثانية من جولتنا في سجن ذهبان،  مع شيخين فاضلين تشرفت بمرافقتها، مبادرة منا للاطلاع على أحوال الموقوفين.. وهي بعنوان
*عوض القرني.. وشهادة للتأريخ !!*
عندما انتصبَ واقفاً ليحيّينا، الشيخين المرافقين وأنا، وأتانا هاشّا مرحّبا بعدما ميّزنا؛ نكرتُ هيئته، وأنا الذي أعرف ملامحه جيدا، ووقتما جاء دوري –بعد الشيخين- لمعانقة الشيخ عوض القرني والسلام عليه، رأى في وجهي الارتياب، وقد ذهبتُ بعيدا في ظنوني؛ أنّ الرجل تعرّض للتعذيب أو ضيّق القائمون على السجن وشحّوا مؤونته وغذاءه، إذ كان الشيخ الذي أعرفه في أيامه الأخيرة بدينا، فيما أرى جسمه نحُل، وبرزت بعض عظام وجهه.
 عندما أخذنا مقاعدنا في مجلس "الضيافة" بداخل سجن "ذهبان" في جدة، والذي لاقينا الشيخ القرني فيه، ثلاثتنا الذين قمنا بمبادرة شخصية لزيارة الموقوفين والاطلاع على أحوالهم، بما تتيحه مديرية المباحث لكثير من مسؤولي ووجهاء المجتمع؛ لمّا تزل الأسئلة والظنون المستريبة تلوب في نفسي، وتجاسرتُ وقطعت حديث المجاملات الأولى التي كانت تدور بين المشايخ، وهتفت بالشيخ القرني: "ما الذي دهاك لينحلَ جسمك بهذا الشكل؟!  أسألك بالله -أبا عبدالحكيم- أثمة تعذيب؟!
أو أنّ ضغط السجن أرداك نفسيا؛ فتآكلت بما أراك الآن!! أم قصّر مسؤولو السجن في مؤونتك وغذائك.. ما الذي فعل بك ما أراه ؟!" 
ضحك طويلا، وبادرنا ببعض الرضا والارتياح، بعد تعليق أحد الشيخين بنفس ملاحظتي، وقال: "والله العظيم إنّ هؤلاء الإخوة –أشار لمدير السجن ومساعديه- أبرّ  بي من أولادي، وإنهم يقومون بخدمتي ورعايتي بما لم يفعل ولدي".
طبعا صُعقنا من إجابته، وكلنا الثلاثة يعرف أن هذا الرجل لا يجامل في الحق أبدا، ولا يتضعضع أمام حيفٍ أو ظلمٍ، ويقول صراحة بما يعتمل في نفسه بلا مواربة أو غمغمة أو تلميح. توقعنا أن يقول -عمّا يقدّم له في السجن- أنها جيدة، لا أن يقسم بالله العظيم وبكل إصرار وثقة؛ أنه يلقى معاملة أفضل مما يلقاه من ولده.
التفتُّ لمدير السجن الخلوق ومساعديه، وقلت: "هذه شهادة للتاريخ لكم، لم أسمع مثلها من قبل".
قطع علينا الشيخ عوض القرني صدمتنا، إذ أكمل بعد هنيهة -ونحن فاغري الأفواه دهشة- ليقول: "ازداد وزني بشكل مفرط، وحاولت الريجيم في شهوري الأخيرة ولم أفلح كثيرا، وعندما أتيت السجن، كان من ضمن الخيارات التي تقدّم في الوجبات الغذائية؛ الوجبة الصحية، فاخترتها ولازمتها، حتى نزلت خلال الشهور القليلة هذه 25 كيلو غراما، وأنا بطريقي لأنزل عشرة كيلات أخرى، هذا كل ما في الأمر".
أنهى جملته الأخيرة وهو يبتسم لنا، وتذكرت فعلا أثناء مرورنا على مطبخ السجن، أن ثمة وجبات لمرضى السكر والضغط، ووجبات إفطار للصائمين في أيام الاثنين والخميس، فضلا عن الوجبة الصحية هذه، مع الوجبات العامة، يختار منها نزلاء السجن ما يروق لهم.
عندما نقوم بالثناء على ما تقدمه مديرية المباحث في سجونها؛ لا يعني هذا أننا نصف جنّة غنّاء أو قصرا منيفا نرغّب الناس الدخول فيه؛ بل نستعيذ بالله من أي سجن، ونسأل الله العافية من أن يُبتلى الإنسان ويوقف، وكتبت في تلك المقالات الأولى أن السجن بلاءٌ وفتنة وعذاب، ولو كانت قضبانه من ذهب، وبلاطاته من مرمر خالص، وجدرانه من حرير. لكن ثمة فرق بين دولة تحيل هذا السجن لإصلاحية وتقويمِ سلوك وتعديلِ فكر، وتقدّم لكل المخطئين -الذين حُكم عليهم ونزلوها- خدمات مثلى، وبرامج توعية، ودورات نصح وحصص تعليم، وتعاملهم كأبناء حقيقين بكل الرحمة والحدب، وبين سجون لا تأبه لهم البتة ، وتعاملهم بلا أية إنسانية.
ليت أولئك الشانئين على ثنائنا لدولتنا ومسؤولينا، وهم يقوّمون أبناءنا وإخوتنا الذين تنكّبوا الطريق؛ أن يذهبوا لسجن "أبو غريب" في العراق، أو سجن "تدمر" في سوريا، أو سجن "تازمامارت" في المغرب، أو أية سجون عربية أو في دول إسلامية، بل أية سجون في دول أمريكا الجنوبية أو آسيا ومعظم دول العالم، ويقارنون ما الذي تفعله دولتنا حفظها الله تجاه أبنائها المخطئين، وما تقدمه من خدمات وبرامج لهم، مع تلكم السجون –خلا بضعة سجون في أوروبا- في العالم، وأتكلم هنا عن سجون مديرية المباحث وما يقدّم  فيها.
الشيخان الفاضلان اللذان كانا معي؛ أُعجبا أيّما إعجاب بفكرة برنامج "إدارة الوقت" الذي يقام في سجن "ذهبان"، وتتلخص فكرته في استثمار وقت الموقوف بالكامل من خلال الأنشطة الرياضية والثقافية لتطوير مهاراتهم، وإخراجهم من التكتلات داخل غرفهم، وإعادة نمذجة أفكارهم التي أوقف الكثيرون بسببها لتطرفها، لتعود إلى الاعتدال عبر هذا البرامج الذي يبدأ من الساعة الثامنة صباحا وينتهي عند الساعة الثامنة مساء، في مشروع متكامل صاغه متخصصون في علم النفس والاجتماع والشريعة، يقبل فيه السجناء على دورات متعددة في مهارات الاتصال، وعلى حلقات تعليمية وفصول لغة إنجليزية، وتفتح أمامهم المجالات لتنمية مواهبهم في أي تخصص. يمرّون خلال اليوم على المكتبة، والصالة التعليمية والصالة الرياضية. ولمن يهوى الإعلام؛ ثمة وحدة إعلامية، يصدرون فيها النشرات، والبرامج المرئية والصوتية، اطلعنا على نماذج مما أنتجوا، وكانت شبه احترافية، وأنتج المنشد ربيع حافظ فيلما وثائقيا بديعا عن هذا البرنامج، طالعناه بكثير من الانبهار. ومن ضمن برنامج "إدارة الوقت" المشتل الزراعي، يقوم فيه النزلاء بزراعة الخضروات والفواكه. يتخلل اليوم فترة استراحة في  ما بين الظهر والعصر.
كالعادة، سيغصّ بهذا الحاقدون على بلادنا، وستنزل شهادة الشيخ عوض القرني تجاه القائمين على السجن كالبلاء على عزمي بشارة وخلاياه والذباب الإلكتروني الذي يتبعه، وسيصعق المرتزقة الذين اشترتهم قطر وإيران، وهم الذين ضجّوا بعد المقالة الأولى عن الشيخ سلمان العودة، الذي قطع بكلامه كل أراجيفهم، وكشف زورَ ما ادعوا وبهتوا به، وافتضحوا أمام العالم كمؤلبين بلا مصداقية أو عدالة.
قال أحد الشيخين –كلاهما من معارفه- بأننا أتينا نستقصي عن أحوالكم، وسنلتقي المسؤولين، وسيكتب عبدالعزيز قاسم مقالة صحافية مما سمع، إذ كان الشيخان حريصان -من باب الأمانة والعدالة- على إخبار كل من التقينا بذلك.
شكر كثيرا الشيخ عوض القرني ما سمع، واشتكى بداية أن ثمة مبلغا (2500 ريال) كان معه ولم يصله، وكان يحتاجه في السجن، واشتكى أيضا من قضية الاتصال والزيارة والسجن الجماعي، وأنه يطالب بمحام له، وأنه متكدّر من طريقة القبض عليه في الليل وتفتيش منزله، وثمة دوخة تأتيه رغم وجود مستشفى على مستوى جيد هنا.
مباشرة قال له أحد الشيخين: "توقف عن "الريجييم" وستذهب هذه الدوخة منك يا شيخ عوض". فيما سألتُ مدير السجن عن موضوع المحامي، وأحقية الموقوف في محام يدافع عنه، فأجابني بأن النظام فعلا يتيح للمتهم توكيل محام، بيد ثمَّة قيد في المادة 21 من نظام الإجراءات الجزائية، تتيح لجهة التحقيق تقييد هذا الحق لمصلحة التحقيق متى رأت ذلك دون الإخلال بحق المتهم. والأمر ينسحب على موضوعي الاتصالات والزيارات اللذين تُوقفا عنه حاليا بحسب النظام، إلا بعد انتهاء التحقيق وتصديق الأقوال، فتُفتح الزيارات وقتها. أما المبلغ الذي قال به؛ فعندما أتانا لم يك ثمة مبالغ معه، ولربما كان بعض الخلط، وعموما فإن ابنه حوّل له –لاحقا- مبلغا عن طريق البنك وأوصلناه إليه. مع العلم أن البقالة –التي يحتاج النقود لأجلها- الموجودة في السجن، تتيح لهم الشراء وتخصمها من المصروف الشهري الذي نقدمه للموقوفين في السجن.
سأل أحد الشيخين الفاضلين -من اللذين شرفت برفقتهما- الشيخ عوض عن كيفية قضاء وقته، فأجاب بإيمانية عالية، وقد أشرق وجهه: "ما أنا فيه؛ فرصة في مرحلتي العمرية التي أنا فيها.. أعيش خلوة روحية إيمانية عالية، وأختم القرآن الكريم كل 6 أيام والحمد لله، بما لم أكن أفعله في خارج السجن".
الشيخ عوض كان بنفسية عالية، وكعادته متقبلا للمهاذرات التي تطلق بين الفينة والفينة، وأعاد الشيخ الآخر عليه رجاءه بإيقاف "ريجيمه" والاكتفاء بهذا الوزن المثالي الذي وصل له، لأن لها تبعات صحية ونفسية، فبادرته وقلت له: "خذها مني يا شيخ.. إن خرج أبو عبدالحكيم -بإذن الله- فلن يأخذ سوى أيام، ويستعيد كل وزنه الذي خسره، إذ ستدهمه العزائم المقامة له يوميا، فطور وغداء وعشاء، من قبيلته الأصيلة، وأصدقائه المشايخ، ومحبيه الكثر. والوجبات هناك في الجنوب -بسبب البرد- ثقيلة، مليئة بالكوليسترول والدهن"، فضحك الشيخ عاليا، وقال: "سأخيب ظنك بإذن الله".
أسجل شهادة بأن دولتنا لا توقف أحدا اعتباطا، بل لديها من القرائن والأدلة التي توجب الإيقاف، ولطالما كلمني البعض عن ظلمٍ تعرّض له أحد أبنائها، وعندما تشفّعنا وبحثنا في ملفه؛ وجدناه للأسف مذنبا. أقول هذا وكلي يقين بحدب ولاة أمرنا، وحكمتهم، وسعة صدورهم لأبنائهم، تمتد حتى لهؤلاء الذين خطِئوا أو قصّروا في مواطن كان من المفترض أن يكون لهم صوت. والموقف هنا موقف مروءة وشفاعة، ونتأمل أن يظلّل عفو ولاة أمورنا الرحماء كل من تبصّر الطريق من أبناء الوطن هؤلاء.
في وقت الحروب والأزمات؛ لا مجال للحياد، بل على الجميع السمع والطاعة والاصطفاف مع القيادة، ودعمها بكل ما نملك.. سواء أكان الفرد منا مقتنعا أم غير مقتنع، فما لدى القيادة من معلومات وأسرار؛ ربما كثير منها غائبة عنا، وهي التي حتّمت عليهم اتخاذ ما يرونه. وإن طلبت القيادة من أي فرد منا نصرة أو دعما؛ فواجبٌ شرعيٌ عينيٌ المبادرة وعدم التراخي أو الرفض. ومن لديه رأيٌ أو وجهة نظر مغايرة، يمكنه إيصالها إلى ولاة الأمر، عبر اللقاء المباشر معهم أو عبر علمائنا الكبار، أو حتى عبر البرقيات، ويرفع عن نفسه الحرج، لكن لا يتأخر عن نصرة وطنه وقادته.
ليس لهذا علاقة بالشيخ عوض القرني يحفظه الله، إذ نحسبه محبّا لولاة أمره ووطنه، والرجل تحدث مع المشايخ وأبان لهم ما بنفسه، وسيوصلون ما سمعوه للمسؤولين، ولكن الكلام عام، أمْلَتْهُ مناسبة ما نحن فيه من تحديات، تحتم علينا جميعا، ومن كل التيارات الاصطفاف خلف مليكنا الكبير الحازم الذي أدّب إيران وقطر والحوثيين، وأراهم من هي السعودية، وخلف أميرنا الشاب محمد بن سلمان وهو يقودنا عبر الرؤية الأمل بكل ثبات إلى سعودية معاصرة وشابة وحديثة.
كلي يقين، بحكمة ولاة أمرنا وحبهم لأبناء هذا الشعب، وبإذن الله سيُفرج عن الذين تعلموا الدرس وانتصحوا، ليساهموا في سعودية الغد المشرقة..
في المقالة القادمة: لماذا ألححتُ على لقاء جميل فارسي وعادل باناعمة تحديدا من بين كل الموقوفين؟!


    بقلم: عبدالعزيز قاسم
          صحيفة أنحاء

الأملُ عندما يضيئُ من سجن (الطرفية)ا

عبد العزيز قاسم يزعم أنه تلقى تهديدا بذبحه كما تم ذبح " مسيلمة الكذاب"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..