في زمنٍ صار فيه قروب الواتساب أكثر من مجرد وسيلة تواصل، وأقرب إلى ساحةٍ عامةٍ مصغّرة تتقاطع فيها الآراء، وتُتداول فيها الأخبار والمواد بمختلف أنواعها، برز موقع مدير القروب كعنصرٍ محوريٍّ في حفظ النظام الإلكتروني والالتزام الرقمي.
فهو ليس مجرد منشئٍ للمجموعة، بل هو مشرف مؤتمن على محتوى رقمي يتطلب وعيًا ومسؤولية في التعامل معه.
ومن المنظور القانوني، فإن مدير القروب يتحمل واجب الإشراف والعناية، فهو الضابط لبيئةٍ رقميةٍ صغيرة، عليه مراقبتها ومنع إساءة استخدامها.
فإذا علم بوقوع مخالفةٍ داخل المجموعة، أو بُلغ بها، ولم يتخذ ما يلزم من حذفٍ أو تنبيهٍ أو إبلاغ، فإن مسؤوليته تقوم بقدر علمه وقدرته وتقاعسه في اتخاذ اللازم .
لكن المسؤولية الجنائية في هذا السياق ليست على نمطٍ واحد، بل تتعدد بحسب نوع المخالفة والنظام الذي تمسّه، ومن أبرزها:
نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية:
إذا احتوى القروب على سبٍّ أو قذفٍ أو تشهيرٍ أو نشر شائعاتٍ أو تحريضٍ عبر الوسائط الإلكترونية، قامت المسؤولية الجنائية وفق أحكام هذا النظام، وتتحقق المساءلة بحق المدير إذا علم وسكت أو سهّل استمرار الفعل..
نظام المحافظة على الذوق العام:
إذا جرى تداول صورٍ أو مقاطعٍ أو عباراتٍ تُخِلّ بالآداب أو تمسّ القيم العامة، فذلك يُعد مخالفةً نظامية، ويتحمل المدير تبعة تقصيره في الإشراف أو سكوته عن إزالة المحتوى يعد مخالفة ..
نظام حماية البيانات الشخصية:
وهو من أحدث الأنظمة وأكثرها دقّة، إذ يمنع نشر أو تداول أي بياناتٍ تخص الأفراد مثل الصور، وأرقام الهواتف، والمحادثات الخاصة، والوثائق الرسمية دون إذنٍ صريحٍ منهم يعد جريمة …
ومن المنظور النظامي، فإن المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير تجد أساسها في نظام المعاملات المدنية، المادة (129)، التي قررت قيام المسؤولية على من كانت له سلطة فعلية في الرقابة أو التوجيه إذا قَصّر في واجب الإشراف بما يسبب ضررًا للغير.
وتقوم هذه المسؤولية متى اجتمعت أركانها الثلاثة:
الخطأ المتمثل في الإهمال أو التقصير في الإشراف، والضرر الناتج عن المخالفة أو الفعل الضار، والعلاقة السببية التي تربط بينهما.
وعليه، فإن مدير القروب الذي يملك سلطة المنع أو الإزالة يُسأل نظامًا إذا تحقق الضرر بسبب تقصيره في واجب الرقابة أو علمه بالمخالفة وسكوته عنها.
فإذا وُجدت هذه الجرائم أو المخالفة في القروب، وكان المدير على علمٍ بها ولم يتدخل بالحذف أو الإبلاغ، فإن مسؤوليته قائمة نظامًا، لأن حماية خصوصية الآخرين جزءٌ من الأمانة الملقاة على عاتق الإشراف.
وهكذا، فإن القول بعدم قيام المسؤولية إطلاقًا قولٌ يجانبه الصواب؛ لأن أركانها ،،( العلم، والقدرة، والتقصير، )،،كثيرًا ما تتحقق في القروبات التي تُترك بلا رقابةٍ أو ضبط.
فالمسؤولية لا تقوم فقط بالمباشرة في الفعل، بل كذلك بالإهمال والتغاضي عن المخالفة، إذ قد يتحول السكوت إلى صورةٍ من صور المشاركة.
إن الإشراف على القروبات ليس ترفًا ولا تشريفًا، بل أمانة ومسؤولية، تتطلب حضورًا ووعيًا وإدراكًا لما يترتب على الكلمة والصورة والرسالة.
ومن وعى الأمانة صانها، ومن فرّط فيها تحمّل وزر تقصيره أمام النظام والمجتمع معًا.
وفي نهاية المطاف، تبقى الغاية الأسمى هي تعزيز ثقافة الاستخدام المسؤول للمنصات الإلكترونية، بما ينسجم مع القيم الإسلامية والأنظمة السعودية، ويجعل من الفضاء الرقمي مساحةَ وعيٍ لا فوضى، ومسؤوليةٍ لا عبث، وكرامةٍ لا انتهاك فيها ولا تجاوز.
💢كتبه/ مازن المليح.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..