الاثنين، 6 أكتوبر 2025

تشريح "وهم القيمة" حول مستقبل سوق الرياض العقاري*

          لقد اطلعت بتمعن على النقاشات الدائرة حول فشل المزادات العقارية الأخيرة في الرياض، وربطها بخريطة الرسوم الجديدة.
 اسمحوا لي أن أتحدث بوضوح قد يكون صادماً للبعض: إن تحليلاتكم المحلية، التي تركز على "أزمة سيولة" أو "فجوة في التقييم"، تلامس سطح المشكلة فقط. ما أراه من منظور محايد ليس مجرد تصحيح سعري كما تسمونه، بل هو بداية انهيار "وهم القيمة" الذي عاش عليه هذا السوق مؤخراً . وهو انهيار تغذيه مخاطر نظامية عميقة لم يجرؤ أحد على تسعيرها بعد في أصولكم.

‏دعونا نتخلى عن اللغة الدبلوماسية ونتحدث بلغة المخاطر والأرقام، اللغة الوحيدة التي يفهمها رأس المال الذكي.

‏أولاً، أنتم لا تقيمون "أرضاً"، بل تقيمون "التزاماً" مالياً

‏الخطأ الجوهري والكارثي الذي أراه هو أنكم ما زلتم تنظرون إلى هذه الأراضي كـ "أصول" ثابتة، هذا خطأ فادح.
منذ لحظة إقرار رسوم تصل إلى 10% سنوياً، تحولت كل أرض بيضاء خاضعة للرسوم من "أصل" (Asset) إلى "التزام مالي محتمل" (Potential Liability).

‏أتساءل: كيف يمكن لأي مقيم محترف أن يضع تقريراً يقول فيه "قيمة الأرض 100 مليون ريال"؟ التقييم الصحيح يجب أن يقول: "أصل قيمته الاسمية 100 مليون، لكنه يحمل التزاماً سنوياً مؤكداً بقيمة 10 ملايين ريال، وتكلفة فرصة بديلة لا تقل عن 5 ملايين ريال (عائد الاستثمارات الآمنة)، وتكاليف تطوير غير مؤكدة في سوق ضبابي". القيمة الحقيقية الصافية (Net Present Value) لهذا الأصل، عند تسعير هذه المخاطر بشكل صحيح، قد تصل إلى 60 مليون ريال في بعض الأحوال. فهل أنتم مستعدون للاعتراف بأن 40% من القيمة المتصورة لأصولكم هي مجرد وهم؟

‏ثانياً، فشل المزادات ليس "مؤشراً"، بل هو "الواقع" الجديد

‏أنتم تتعاملون مع فشل المزادات كـ "إنذار" أو "مؤشر" على تغير قادم. أنا أراه "نتيجة" و "حكماً" نهائياً صدر من السوق بالفعل. لقد أتيحت الفرصة للمشترين الحقيقيين، الذين يضعون أموالهم على الطاولة، للتصويت على الأسعار المعروضة، وكانت نتيجة تصويتهم هي "الرفض". فشل المزاد هو "السعر العادل" الذي حدده السوق في تلك اللحظة: صفر عند ذلك السعر المطروح.

‏أتساءل: لماذا تصرون على أن المشكلة في "التقييم الذي لم يواكب المتغيرات"؟ الحقيقة هي أن التقييم كان خاطئاً من الأساس لأنه تجاهل أهم متغير في أي سوق: عمق الطلب (Depth of Demand). لا يهم وجود مشترٍ واحد أو اثنين لديهم الرغبة، ما يهم هو كم عدد المشترين الجاهزين للدفع عند كل مستوى سعري. ما كشفته المزادات هو أن عمق الطلب عند الأسعار التي طرحتموها كان صفراً. هذا ليس مؤشراً، هذا هو الواقع الجديد.

‏ثالثاً، البنوك ليست "شريكاً"، بل "خصماً" محتملاً في هذه المعركة

‏الافتراض بأن البنوك ستتعامل بسلاسة مع هذا الوضع هو افتراض متفائل بشكل خطير. في كل مركز مالي عالمي شهد تصحيحاً عقارياً، من طوكيو في 1991 إلى الولايات المتحدة في 2008، كانت البنوك هي من يسرّع وتيرة الهبوط لحماية نفسها.

‏أتساءل: هل تعتقدون حقاً أن البنك سيقف متفرجاً وهو يرى قيمة الرهن الذي يحميه تتآكل؟ الواقع الذي أراه قادماً هو أن البنوك ستبدأ في إجراء "استدعاءات الهامش" (Margin Calls). هذا ليس طلباً مهذباً، بل هو إجبار للعميل على توفير سيولة فورية أو بيع الأصل. البنوك ستكون هي المحفز لـ "البيع القسري" (Forced Selling)، وهو ما سيغرق السوق بالمزيد من العروض ويضغط على الأسعار بشكل أكبر. هل تم تسعير مخاطر البيع القسري في تقييماتكم الحالية؟ أشك في ذلك.

‏خلاصة نقدية: نهاية عصر التقييمات المتفائلة

‏ما شهدتموه في مزادات الرياض لم يكن "بروفة"، بل كان أول عرض من مسرحية اقتصادية لم تصل إلى ذروتها بعد. أنتم تقفون على حافة "إعادة تسعير نظامية" (Systemic Repricing)، مدفوعة ليس فقط بالرسوم، بل بتكاليف التمويل، وتغير ثقة المستثمر، والتحرك الحتمي للقطاع المصرفي.

‏نصيحتي الوحيدة لأي مستثمر أو مطور أو مالك أرض اليوم هي: انسوا كل ما كنتم تعرفونه عن قيمة أراضيكم. ابدأوا من الصفر. افترضوا أسوأ السيناريوهات. فكروا ليس كبائعين، بل كخصوم لأنفسكم. فقط عندها، قد تصلون إلى رقم قريب من القيمة الحقيقية لأصولكم في هذا الواقع الجديد القاسي. أي شيء آخر هو مجرد تمديد لحالة "وهم القيمة" التي انتهت صلاحيتها بالفعل.

*مقالة لسعد التويم بعنوان: تشريح "وهم القيمة" حول مستقبل سوق الرياض العقاري*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..