يُعد المنهج التاريخي من أكثر مناهج البحث تطبيقاً في أوساط الباحثين،
ولكنه – بالمقابل – يكاد يكون أقلها وضوحاً في مفهومه لديهم، بدليل عدم
الدقة في تطبيقه، فهناك عدد كبير من الباحثين يطبقون
المنهج التاريخي على أنه عبارة عن جمع المعلومات المرتبطة بموضوع البحث من مصادرها المختلفة، وترتيبها وإخراجها جديداً يتلاءم مع عنوان البحث.
وإذا كان الباحث أكثر وعياً بمنهج البحث التاريخي فهو يضيف جهداً في التأكد من صحة المعلومة داخلياً وخارجياً.
ومن الواضح أنهم بذلك لا يطيقون المنهج التاريخي تطبيقاً صحيحاً، يجعل من البحث الذي يتخذه منهجاً إضافة جديدة للمعرفة، وإسهاماً جيداً من الباحث لتشخيص الماضي بغرض معرفة الحاضر.
وعدم معرفة المنهج التاريخي بمفهومه الصحيح هو – كما يبدو – السبب في عدم الإستفادة بشكل واضح من الكم الهائل من البحوث التاريخية التي تقوم بها جامعاتنا ومعاهدنا العلمية. فلا تزال هناك العديد من الأسئلة تحتاج إلى إجابة، ولا يزال هناك الكثير من المعلومات التاريخية تتطلب تنقيحاً.
فالمنهج التاريخي إذاً – كما يراه علماء المنهجية – ليس مجرد جمع للمعلومات من مصادرها الأساسية والثانوية، ونقدها، ومن ثم ترتيبها، وإخراجها إخراجاً يختلف في شكله عن الكيفية التي تم إخراجها بها في مصادرها، ولكنه يتفق في مضمونه معها.
وإنما المنهج التاريخي هو ما يمكن به إجابة سؤال عن الماضي بواسطة مجهود علمي كبير يبذله الباحث متمثلاً في محاولته لاستنتاج العلاقة بين الأحداث، والربط بينها، مستنداً في ذلك إلى ما يستقيه من أدلة علمية صحيحة تبرهن استنتاجه.
وهذا ما جعل كثير من علماء المنهجية مثل بورق وقول (1979)، وإيزاك ومايكل (1981) يُعرفون المنهج التاريخي بأنه عبارة عن إعادة للماضي بواسطة جمع الأدلة وتقويمها، ومن ثم تمحيصها وأخيراً تأليفها ليتم عرض الحقائق أولاً عرضاً صحيحاً في مدلولاتها وفي تأليفها، وحتى يتم التوصل حينئذ إلى استنتاج مجموعة من النتائج ذات البراهين العلمية الواضحة.
أمثلة للبحوث التاريخية:
وما شابهه هذه الأسئلة ذات الارتباط بالماضي.
تعدد أهداف المنهج التاريخي لا يعني بالضرورة أن يكون موضوع البحث تاريخاً صرفاً، وإنما يمكن أن يكون كذلك، أو أن يكون ذو جوانب متعددة منها التاريخية، ومنها غير التاريخية. وهنا يلزم تطبيق المنهج التاريخي في الجوانب التاريخية، وتطبيق مناهج البحث الأخرى المناسبة لدراسة الجوانب غير التاريخية.
وعلى الرغم من الاختصار الشديد في هذه النقاط الأربع، إلا أنها في الحقيقة تشكل الإطار النظري للمنهج التاريخي. وأكد هذا قتشك بقوله “فهم هذه الخطوات الأربع، وما يتبعها من معايير يعد مطلباً أساسياً للقراءة الذكية لما كتبه المؤرخون”.
فأول خطوة:
يقوم بها الباحث المطبق للمنهج التاريخي هي توضيح ماهية مشكلة البحث طبقاً لما يلزم توضيحه من الخطوات التي تم تفصيلها في الفصل الأول من الباب الأول في هذا الكتاب التي تشتمل على:
– التمهيد للمشكلة – تعريف المشكلة وتحديد أسئلة البحث.
– فروض البحث. – أهداف البحث.
– أهمية البحث. – الإطار النطري للبحث.
– حدود البحث. – قصور البحث.
– مصطلحات البحث.
ونظراً لما يعتقده بعض الباحثين، ولما يبدو ظاهرياً من طبيعة المنهج التاريخي من أن البحث التاريخي لا يجري بغرض اختبار فروض، لابد من تفصيل الكلام هنا عن الفروض في البحث التاريخي.
يؤكد فان دالين (1979) – وهو من رواد علماء المنهجية، ويُعد كتابه “مناهج البحث في التربية وعلم النفس” مرجعاً أساسياً لكثير ممن كتب في المنهجية فيما بعده – أهمية الفروض في البحث التاريخي بقوله “ولا يكتفي المؤرخون بمجرد تجميع السجلات والأثار، وإخضاعها للنقد الدقيق، ثم تقديم أكوام المعلومات التي جمعوها – من أسماء وأحداث وأماكن وتواريخ – إلى الناس “كحبات المسبحة”. وذلك أن شذرات المعلومات غير المترابطة لا تؤدي إلى تقدم مفيد للمعرفة. وحتى إذا قام الدارسون بتجميع الحقائق وترتيب ما جمعوه في نظام منطقي، فإنهم يخرجون رواية لا تفضل كثيراً سلاسل الأحداث غير المترابطة وغير المفسرة. إن الحقائق المنعزلة ليس لها معنى، لذلك لا يكتفي الباحثون بمجرد تجميع المعلومات أو وصفها وتصنيفها وفقاً لخصائصها الظاهرية، إنما يقومون بصياغة فروض مبدأية تفسر وقوع الأحداث والأحوال، لكي يكون لأعمالهم قيمة. ويبحثون عن العلاقات الخفية، أو الأنماط الكامنة، أو المباديء العامة، التي تفسر أو تصف الظاهرات التي يدرسونها. وبعد تكوين الفروض يبحثون عن الأدلة التي تؤيدها أو تنفيها”. ترجمة.
Historian donot aimlessly collect and relics, subject them to
intensive criticism, and then present the mass of Facts – names, events, places, and dates – to the public like “beads on a string”. Unrelated bits of information don’t advance Their groups in a logical order, They prodace a narrative. That is little more Than a series of discinnected and un explained events.
Isolated facts lack meaning, consequently, research workers go beyond the amassing of data or merely describing and classifying them in accordance with their super ficial properties. to produce works of value, they formulate tentative hypotheses that explain the occurrence of events and conditions. Theu seel the hidden connections, underlying patterns, or general principles that explain or descripe the structural interrel ations of the phenomena under study. After constracting hypotheses, they search for evidence that will confirm or dis confirm them.
هناك أمثلة عديدة لصياغة الفروض في البحث التاريخي أوردها الذين كتبوا في المنهج التاريخي مثل قود (1963)، وفان دالين (1962)، وبست (1981).
فقد أورد فان دالين المثال التالي “دراسة التربية عند الرومان القدامي جعلت شيابيتا chiappeta يصوغ الفرضية التالية [لا يرى الرومان في تلك الفترة أن التعليم الرسمي يمكن أن يكون وسيلة لتعديل السلوك] وقد صاغ تلك الفرضية من دراسته لبعض المصادر العلمية التي أرخت لتلك الفترة حيث لاحظ أنه لا يوجد تقرير يوثق به عن الأعداد التربوي الرسمي في تلك الفترة، كما أن هناك فقدان ملحوظ لأي بقايا آثار تدل على وجود المدارس جينذاك. وحتى يختبر هذه الفرضية قام بدراسة بعض الوقائع التاريخية التي تشخص وتصف تلك الفترة فاستنتج أن جزء صغيراً من المجتمع هو الذي يدخل المدارس، وأن المدارس لم يعول عليها في نقل المجتمع إلى الأفضل”. ترجمة.
وكذلك أورد فان دالين المثال التالي:
“تكشف وسائل الترويح التي كان الناس يمارسونها في الماضي عن كثير من جوانب شخصياتهم وأحوال الفترة التي يعيشون فيها. لذلك يهتم بعض الناس بتتبع تطور الرياضة. وقد صاغ (هندرسون)، بعد أن درس أنواعاً مختلفة من ألعاب الكرة وبحث أصولها، فرضاً يقول إن [كل الألعاب الحديثة التي يستخدم فيها المضرب والكرة ترجع إلى أصل عام وهو: طقوس مصرية قديمة للخصوبة كان يقوم بها الملوك الكهنة في مصر القديمة] ولاختبار صدق هذا الفرض فحص هندرسون الاحتفالات الدينية والعادات الشعبية للناس في العصور القديمة، وتتبع تطور الألعاب التي تستخدم فيها الكرة.
وذكر أنه قد وجد دلائل في الطقوس والعادات والمقابر تؤيد فكرته القائلة بأن ألعاب الكرة والمضرب الحديثة من مخلفات الطقوس الدينية القديمة”.
أما بست (1981) فقد أورد أيضاً عدداً من الأمثلة التي توضح صياغة الفروض في البحث التاريخي. ومما أورده الفروض التالية:
وهذا عندما تكون الفروض (وسيلة)، أي يجمع الباحث المعلومات ويتسنتج منها الأدلة والبراهين التي تؤكد صحتها أو لا تؤكدها.
وقد تكون الفروض في البحث التاريخي (غاية) بمعنى أن الهدف الأساسي من البحث يكمن في تكوين خلفية علمية متكاملة تؤهل لفرض فروض علمية يمكن التأكد من صحتها أو عدم صحتها ببحوث تالية. ومن الأمثلة على ذلك تلك الدراسة التي قام بها (شيابيتا) ابتداءً لبعض المصادر العلمية حول التربية عند الرومان التي من خلالها استطاع أن يفرض العلمي السابق.
وثاني خطوة:
يقوم بها الباحث هي مراجعة الدراسات السابقة التي كتبت عن الموضوع – إن كان هناك من دراسات – ليوضح مدى التشابه والاختلاف بينها وبين دراسته، وكذلك يبرز جوانب القوة وجوانب الضعف فيها وليتضح أيضاً موقع دراسته وأثرها في تلافي جوانب الضعف في الدراسات السابقة. كل هذا يتم طبقاً للخطوات التي سبق تفصيلها في الفصل الثاني من الباب الأول في هذا الكتاب.
وثالث خطوة:
هي تصميم البحث وتحديد خطواته الإجرائية.
وأهم الخطوات الإجرائية في البحوث التاريخية هي:
المصادر الأساسية:
وتسمى أحياناً المصادر الأولية. وهي المصادر الأولى للمعلومة, وبتعريف آخر هي تلك المصادر التي لم تعتمد في نقلها للمعلومة على مصادر أخرى سبقتها، وإنما هي أول مصدر أورد المعلومة. وقد عرفها بست (1981) بأنها “المقررة، أو المكتوبة، أو المنقولة بواسطة الشخص الذي لاحظها مباشرة أو شارك فيها”.
والمصادر الأساسية أنواع كثيرة حددها بست (1981) بالآتي:
ومن الأمثلة على هذا النوع من المصادر: الدساتير، القوانين، القرارات، المحاضر الرسمية للاجتماعات. الرسائل الشخصية، اليوميات، العقود، الشهادات، الخرائط، الكتب التي لم تعتمد على مصادر أخرى، الرسائل العلمية، الصكوك، القوائم، الكاتلوجات، الأفلام، الصور، الرسوم، التقارير، التسجيلات، الصحف، المجلات، الفواتير، الإعلانات، سندات الاستلام، الرخص، الإحصاءات الرسمية… إلخ.
المصادر الثانوية:
وهي عبارة عن مصادر ثانية للمعلومة. أي أن المعلومة سبق أو وردت في مصدر آخر قبلها. وقد عرفها فان دالين (1962) بأنها “تلك المصادر التي تحتوي على تلخيص لمعلومة كتبها شخص لم يلاحظها مباشرة، أو يشارك فيها. والمعلومة إما أن تكون واقعة، أو حالة أو شيء محسوس… إلخ”.
أما بست (1981) فقد عرفها تعريفاً أكثر وضوحاً حيث قال بأنها “تقارير شخص يروي الأدلة عمن شارك في الواقعة أو شاهدها. فكاتب المصدر الثانوي هو من لم يشاهد الواقعة، وإنما هو من يروي وينقل ما رآه أو كتبه من اشترك فيها أو شاهدها”.
ومن الأمثلة على هذا النوع من المصادر الكتب المجموعة أو المحررة الكتب المؤلفة اعتماداً على المراجع، أخبار الصحف والمجلات، دوائر المعارف… إلخ.
وواضح أن هناك فرقاً كبيراً في القيمة العلمية للمعلومة المستقاة من مصدر أساسي، والمعلومة المستقاة من مصدر ثانوي. مما جعل كثير من الكتاب يؤكدون ضرورة البحث عن المعلومة في مصدرها الأساسي، وأن لا يُلجأ إليها في مصدرها الثانوي إلا في حالات خاصة جداً. كأن يثبت الباحث أنه من المتعذر حقاً الحصول عليها من مصادرها الأساسي. فالمصادر الثانوية معرضة لأخطاء كثيرة نتيجة لتناقل المعلومة.
كما أنه واضح أيضاً أن بعض المصادر الثانوية أكثر قيمة علمية من الأخرى. فالمصادر الثانوية – مثلاً – التي نقلت المعلومة مباشرة من مصدرها الأساسي أقرب إلى الدقة والصواب من المصادر التي نقلتها من مصادر ثانوية أخرى… وهكذا.
ومن العرض السابق يتضح أن المصدر الواحد قد يكون أساسي وثانوي في آن واحد، وذلك طبقاً للمعلومة المرادة. فإذا ذكر مؤلفه ما يشير إلى مشاهدته للمعلومة أو مشاركته فيها فيعد مصدراً أساسياً لهذه المعلومة. وأما إذا نقل عن غيره معلومة معينة فهو فيها مصدراً ثانوياً.
وأضاف بست (1981) التوضيح التالي حول متى يكون المصدر الواحد مصدراً أساسياً، ومصدراً ثانوياً في آن واحد عندما قال “إن ما يحدد أساسية المصدر أو ثانويته هو الغرض من استخدامه. وضرب مثالاً لذلك كتاب التاريخ المقرر في المرحلة الثانوية في أمريكا حيث قال إنه مصدر ثانوي بطبيعته، ولكنه إذا رُجع إليه بغرض معرفة مدى التغير الذي حدث على مبدأ (الوطنية) في كتب التاريخ المقرر على المرحلة الثانوية فيصبح مصدراً أساسياً”.
وأضاف بورق وقول (1979) نوع ثالث من المصادر سماه بـ
المصادر التمهيدية:
وهي المصادر التي تحتوي على معلومات عن المصادر الأساسية والثانوية من حيث نوعها، وماذا تحتوي عليه من المعلومات،… إلخ.
ومن الأمثلة التي ساقها لهذا النوع المصادر التالية:
ولكن مما يعيق استخدام كثير من هذا النوع من المصادر أنها أعدت باللغة الإنجليزية وعن المصادر التي كتبت باللغة الإنجليزية فقط.
وحتى يتسنى له ذلك، يتعين عليه أن يحاول أن يحصل على ما سماه بعض علماء المنهجية – مثل بست (1981) – بالبرهان التاريخي Historocal Evidence وهو ما يمكن أن يستنتجه الباحث من المعلومات التاريخية من خلال عمليتي نقد يتعين عليه تطبيقهما على ما يتوافر لديه من مصادر أساسية أو ثانوية. وهاتان العمليتان هما: النقد الخارجي، والنقد الداخلي.
النقد الخارجي:
وهو ما يوجهه الباحث لمظهر المصدر الأساسي وثيقة كان أم حفرية، ومن حيث هل هو أصيل أم مفتعل، صحيح أم مزيف. وبعبارة أخرى هو إجابة مثل الأسئلة التالية:
ويمكن للبحاث أن يجيب على مثل هذه الأسئلة أو ما شابهها بعدة طرق منها ما أشار إليه فان دالين (1962) عند قوله بأن إجراء النقد الخارجي يمكن أن يتم بواسطة إجابة الباحث موثقة لمثل الأسئلة التالية:
أما بست (1981) فقد أضاف لما ذكره قان دالين بقوله “بأنه يمكن أن تشتمل طرق إجراء النقد الخارجي على اختبار عضوي أو كيميائي للحبر، والأوراق، وقطع الملابس، والقطع المعدنية، وكذلك القطع الخشبية”.
وبموضع آخر يقول بست (1981) أيضاً “يمكن تحديد عمر الوثيقة، أو تحديد مؤلفها بواسطة اختبارات متعددة مثل: اختبار التوقيع، اختبار الكتابة اليدوية، اختبار الطباعة، اختبار الحروف الهجائية، اختبار استعمال اللغة، اختبار التوثيق، اختبار المعارف المتاحة في الفترة التي أعدت فهيا الوثيقة، ومدى التزام الوثيقة بما هو معروف حينذاك”.
النقد الداخلي:
وهو ما يوجهه الباحث للمعلومة ذاتها التي يحتوي عليها المصدر الأساسي.
وبعبارة أخرى هو إجابة مثل الأسئلة التالية:
وللتأكد من صحة هذه المعلومة قد يضطر الباحث لمعرفة الإجابة على بعض الأسئلة حول الكاتب نفسه مثل:
وحتى يجيب الباحث على هذه الأسئلة أو ما شابهها، يحتاج إلى معرفة تامة بالفترة الزمنية التي كتبت فيها الوثيقة، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية… إلخ، ذات التأثير على السلوك الفردي أو الجماعي في تلك الفترة.
وبهذا يستطيع الباحث أن يستخرج الأدلة العلمية الصحيحة تأليفاً ومحتوى من المصادر المتوافرة عن تلك الفترة، مما يُمكنه – بالتالي – من إجابة كل ما يمكن أن يطمئنه على صحة المعلومة.
وواضح أن قدرة الباحث على إجابة أسئلة النقد الخارجي، والنقد الداخلي سوف تكون محدودة، وذلك بسبب ما تتطلبه طبيعة تلك الأسئلة من جهد علمي كبير اختصره فان دالين (1962) بقوله “إنه لابد للباحث حتى يستطيع أن يجيب على مثل هذه الأسئلة أن يكون لديه إلمام تام، ومعرفة بما له صلة بموضوع البحث من بعض العلوم مثل: الفلسفة، والكيمياء، والانتربولوجي، والخرائط، والفن، والأدب. بالإضافة إلى حاجته من أن يكون لديه رصيد من المعارف التاريخية والعامة، وأن يكون ذو حس أثري، وحس عام، وذكي، وذو معرفة بسلوك الناس… إلخ”.
إلا أنه يتعين على الباحث أيضاً أن لا يستسلم لمحدوديته هذه وبالتالي يُسلم بصحة الوثيقة أياً كان نوعها، وإنما يجب أن يعمل ما بوسعه أن يعمله للتأكيد من صحتها وصحة محتواها.
وسوف يختلف الجهد المبذول في وثيقة تتوافر فيها المعلومات عن المؤلف، والتاريخ… إلخ من وثيقة تخلو من ذكر لمؤلفها، أو تاريخها… إلخ.
وكذلك يختلف الجهد من وثيقة لمؤلف مشهور يمكن مقارنتها بماله من مؤلفات أخرى من وثيقة ذات مؤلف ليس له أي إنتاج علمي غيرها.
فبعد أن تتوافر للباحث تلك المعلومات، يقوم بقراءتها قراءة تاريخية واضعاً نصب عينيه كل سؤال من أسئلة البحث على حدة ومحاولاً في قراءته هذه أن يصنف الحقائق، ويوضح العلاقة بينهما مستنداً في توضيحه هذا على ما يستخرجه من أدلة وبراهين تاريخية تؤكد ما توصل إليه.
ثم بعد ذلك يجيب على أسئلة البحث سؤالاً سؤال مبرهناً إجابته لكل سؤال بما استخرجه، واستنتجه من أدلة تاريخية. وما يتحصل عليه من إجابة لأسئلة البحث يُعد معياراً يستطيع قبول فروضه أو عدم قبولها بناء عليه.
وهذه باختصار هي مرحلة تحليل المعلومات، وعلى الرغم من أنها تبدو بسيطة إلا أنها هي صلب العملية البحثية. ولكن مما يُسهل على الباحث القيام بها على الوجه الأكمل اتباعه لخطوات تحليل المعلومات التي سبق تفصيلها في الفصل الرابع من الباب الأول في هذا الكتاب وهي باختصار:
ولكن نظراً لإن المنهج التاريخي يختلف عن غيره من مناهج البحث من حيث ارتباطه بظاهرة حصلت في الماضي، يجعل من المتعذر جداً التأكد بشكل قاطع من أنها حصلت بهذه الكيفية أو تلك…إلخ. فهناك تساؤلات عديدة أو علامات استفهام كبيرة حول علمية المنهج التاريخي، وصدق وثبات ما يتوصل إليه الباحث المطبق له من نتائج.
فمعروف أن المنهج التاريخي يقوم على تحليل الباحث لمصادر مدونة أصلاً من قبل أناس سبقوه، وإلا لما استطاع الحصول عليها. وهذا يجعل المعلومة التاريخية عرضة للهواء، والتفسير الذاتي من أطراف عدة هي:
بالإضافة إلى إمكانية التحيز والتفسير الذاتي هذا، هناك عامل آخر يُقلل من علمية المنهج التاريخي هو التحليل الكيفي للمعلومات الذي يعتمد على استنتاج البراهين والأدلة التاريخية من المصادر. فليس هناك مقياس علمي دقيق لتقرير صدق ذلك الدليل أو عدم صدقه، كما يحدث في البحوث التجريبية والوصفية التي تعتمد على التحليل الكمي. فمثلاً قد يتوصل الباحث إلى النتيجة التالية:
[إن تاريخ التربية عند العرب يؤكد عدم احترام مهنة التدريس، وأن المنزلة الإجتماعية للمدرس لا ترقى إلى المنزلة الإجتماعية لكثير من أصحاب المهن الأخرى].
وذلك بدليل البراهين التالية التي استنتجها من المصادر التي أرخت وتناولت مهنة التدريس عند العرب.
ولكن أيضاً من الواضح أنه لا يمكن القطع بصدق دلالة هذه الأدلة. فقد يكون هناك أدلة أخرى وشواهد تؤكد مدى احترام هذه المهنة، وما يحضي به شاغلها من تقدير اجتماعي. ولكن بحث الباحث كان قاصراً ومحصوراً على مصادر محددة دون غيرها مما جعله يتوصل إلى نتيجة خاطئة.
ولكن عندما نتأمل هذه العيوب التي قد تؤثر فعلاً على علمية المنهج التاريخي، نجد أنها في الحقيقة ليست خاصة بالمنهج التاريخي وحده، وإنما في جميع مناهج البحث التي يطبقها الإنسان لدراسة سلوك أخيه الإنسان.
فالمناهج التي تعتمد على التجريب أو الملاحظة أو التحليل الكمي عرضة أيضاً لتحيز الباحث ولهذا أصبح معيار العلمية في مناهج البحث التي تدرس الظاهرة الإنسانية ليس مقصوراً على التجربة أو الملاحظة وحدهما وإنما على – كما أشار كثير من علماء المنهجية – تحري الدقة، وإبراز الأدلة، واتباع المنهج العلمي بخطواته المختلفة التي تشمل على تحديد دقيق للمشكلة، وتوضيح كامل لماهيتها، ومن ثم جميع المعلومات عنها متوخياً في ذلك البحث عن أصدق المصادر تأليفاً ومحتوي، وأخيراً المحاولة الجادة للابتعاد عن التحيز في التحليل، وفي استنتاج الأدلة والبراهين.
كل هذا سوف – ولا شك – يرفع جميع مناهج البحث التي تدرس الظاهرة الإنسانية، ومنها المنهج التاريخي، إلى المستوى العلمي المنشور، ويجعلها لا تقل إطلاقاً عن المناهج التي تعتمد على التجربة في دراسة السلوك الإنساني.
المرجع
-
.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
المنهج التاريخي على أنه عبارة عن جمع المعلومات المرتبطة بموضوع البحث من مصادرها المختلفة، وترتيبها وإخراجها جديداً يتلاءم مع عنوان البحث.
وإذا كان الباحث أكثر وعياً بمنهج البحث التاريخي فهو يضيف جهداً في التأكد من صحة المعلومة داخلياً وخارجياً.
ومن الواضح أنهم بذلك لا يطيقون المنهج التاريخي تطبيقاً صحيحاً، يجعل من البحث الذي يتخذه منهجاً إضافة جديدة للمعرفة، وإسهاماً جيداً من الباحث لتشخيص الماضي بغرض معرفة الحاضر.
وعدم معرفة المنهج التاريخي بمفهومه الصحيح هو – كما يبدو – السبب في عدم الإستفادة بشكل واضح من الكم الهائل من البحوث التاريخية التي تقوم بها جامعاتنا ومعاهدنا العلمية. فلا تزال هناك العديد من الأسئلة تحتاج إلى إجابة، ولا يزال هناك الكثير من المعلومات التاريخية تتطلب تنقيحاً.
فالمنهج التاريخي إذاً – كما يراه علماء المنهجية – ليس مجرد جمع للمعلومات من مصادرها الأساسية والثانوية، ونقدها، ومن ثم ترتيبها، وإخراجها إخراجاً يختلف في شكله عن الكيفية التي تم إخراجها بها في مصادرها، ولكنه يتفق في مضمونه معها.
وإنما المنهج التاريخي هو ما يمكن به إجابة سؤال عن الماضي بواسطة مجهود علمي كبير يبذله الباحث متمثلاً في محاولته لاستنتاج العلاقة بين الأحداث، والربط بينها، مستنداً في ذلك إلى ما يستقيه من أدلة علمية صحيحة تبرهن استنتاجه.
وهذا ما جعل كثير من علماء المنهجية مثل بورق وقول (1979)، وإيزاك ومايكل (1981) يُعرفون المنهج التاريخي بأنه عبارة عن إعادة للماضي بواسطة جمع الأدلة وتقويمها، ومن ثم تمحيصها وأخيراً تأليفها ليتم عرض الحقائق أولاً عرضاً صحيحاً في مدلولاتها وفي تأليفها، وحتى يتم التوصل حينئذ إلى استنتاج مجموعة من النتائج ذات البراهين العلمية الواضحة.
أمثلة للبحوث التاريخية:
- دراسة تاريخية لمعرفة الشروط العلمية التي يشترطها المربون الأوائل لمنهج أجازة التدريس التي كان المدرس لا يحق له مزاولة التدريس في المسجد إلا بعد حصوله عليه.
- دراسة تاريخية لنظام التعليم ومناهجية في فترة تاريخية معينة بغرض معرفة مدى التركيز على الأصالة، ورفض التبعية.
- دراسة تاريخية لبعض رجالات التعليم، وما قاموا به من جهد لنشر التعليم في الوقت الذي لم ينتشر التعليم الرسمي فيه.
- دراسة تاريخية لتوضيح كيف كانت عليه العلاقة بين الطالب والمدرس في فترة زمنية معينة.
- دراسة تاريخية لتوثيق بعض المعلومات التاريخية عن بعض القضايا التربوية التي اعتبرت بمضي الزمن تعد – اعتباطا – كأنها حقائق لا تقبل الشك.
- متى يطبق المنهج التاريخي؟
- متى بدأ ظهور ظاهرة تاريخية ما؟
- كيف بدأ ظهور ظاهرة تاريخية ما؟
- ما مراحل تطور ظهور ظاهرة تاريخية ما؟
- ما العوامل ذات التأثير في ظهور ظاهرة تاريخية ما؟
- ما مدى صحة ظاهرة تاريخية ما في ظل المعيطات التاريخية الصحيحة؟
- ما مدى العلاقة والارتباط بين حدثين تاريخين؟
وما شابهه هذه الأسئلة ذات الارتباط بالماضي.
تعدد أهداف المنهج التاريخي لا يعني بالضرورة أن يكون موضوع البحث تاريخاً صرفاً، وإنما يمكن أن يكون كذلك، أو أن يكون ذو جوانب متعددة منها التاريخية، ومنها غير التاريخية. وهنا يلزم تطبيق المنهج التاريخي في الجوانب التاريخية، وتطبيق مناهج البحث الأخرى المناسبة لدراسة الجوانب غير التاريخية.
- كيف يطبق المنهج التاريخي؟
- جمع المصادر الأساسية الموجودة سواء أكانت مكتوبة أو مصورة أو مجسمة، أو مسجلة، أو شفهية…إلخ.
- استبعاد جميع المصادر – أو بعض معلوماتها – غير الصحيحة.
- الاقتصار على المعقول من المصادر الأساسية.
- تنظيم وإخراج الأدلة الثابتة في عرض علمي مناسب.
وعلى الرغم من الاختصار الشديد في هذه النقاط الأربع، إلا أنها في الحقيقة تشكل الإطار النظري للمنهج التاريخي. وأكد هذا قتشك بقوله “فهم هذه الخطوات الأربع، وما يتبعها من معايير يعد مطلباً أساسياً للقراءة الذكية لما كتبه المؤرخون”.
فأول خطوة:
يقوم بها الباحث المطبق للمنهج التاريخي هي توضيح ماهية مشكلة البحث طبقاً لما يلزم توضيحه من الخطوات التي تم تفصيلها في الفصل الأول من الباب الأول في هذا الكتاب التي تشتمل على:
– التمهيد للمشكلة – تعريف المشكلة وتحديد أسئلة البحث.
– فروض البحث. – أهداف البحث.
– أهمية البحث. – الإطار النطري للبحث.
– حدود البحث. – قصور البحث.
– مصطلحات البحث.
ونظراً لما يعتقده بعض الباحثين، ولما يبدو ظاهرياً من طبيعة المنهج التاريخي من أن البحث التاريخي لا يجري بغرض اختبار فروض، لابد من تفصيل الكلام هنا عن الفروض في البحث التاريخي.
يؤكد فان دالين (1979) – وهو من رواد علماء المنهجية، ويُعد كتابه “مناهج البحث في التربية وعلم النفس” مرجعاً أساسياً لكثير ممن كتب في المنهجية فيما بعده – أهمية الفروض في البحث التاريخي بقوله “ولا يكتفي المؤرخون بمجرد تجميع السجلات والأثار، وإخضاعها للنقد الدقيق، ثم تقديم أكوام المعلومات التي جمعوها – من أسماء وأحداث وأماكن وتواريخ – إلى الناس “كحبات المسبحة”. وذلك أن شذرات المعلومات غير المترابطة لا تؤدي إلى تقدم مفيد للمعرفة. وحتى إذا قام الدارسون بتجميع الحقائق وترتيب ما جمعوه في نظام منطقي، فإنهم يخرجون رواية لا تفضل كثيراً سلاسل الأحداث غير المترابطة وغير المفسرة. إن الحقائق المنعزلة ليس لها معنى، لذلك لا يكتفي الباحثون بمجرد تجميع المعلومات أو وصفها وتصنيفها وفقاً لخصائصها الظاهرية، إنما يقومون بصياغة فروض مبدأية تفسر وقوع الأحداث والأحوال، لكي يكون لأعمالهم قيمة. ويبحثون عن العلاقات الخفية، أو الأنماط الكامنة، أو المباديء العامة، التي تفسر أو تصف الظاهرات التي يدرسونها. وبعد تكوين الفروض يبحثون عن الأدلة التي تؤيدها أو تنفيها”. ترجمة.
Historian donot aimlessly collect and relics, subject them to
intensive criticism, and then present the mass of Facts – names, events, places, and dates – to the public like “beads on a string”. Unrelated bits of information don’t advance Their groups in a logical order, They prodace a narrative. That is little more Than a series of discinnected and un explained events.
Isolated facts lack meaning, consequently, research workers go beyond the amassing of data or merely describing and classifying them in accordance with their super ficial properties. to produce works of value, they formulate tentative hypotheses that explain the occurrence of events and conditions. Theu seel the hidden connections, underlying patterns, or general principles that explain or descripe the structural interrel ations of the phenomena under study. After constracting hypotheses, they search for evidence that will confirm or dis confirm them.
هناك أمثلة عديدة لصياغة الفروض في البحث التاريخي أوردها الذين كتبوا في المنهج التاريخي مثل قود (1963)، وفان دالين (1962)، وبست (1981).
فقد أورد فان دالين المثال التالي “دراسة التربية عند الرومان القدامي جعلت شيابيتا chiappeta يصوغ الفرضية التالية [لا يرى الرومان في تلك الفترة أن التعليم الرسمي يمكن أن يكون وسيلة لتعديل السلوك] وقد صاغ تلك الفرضية من دراسته لبعض المصادر العلمية التي أرخت لتلك الفترة حيث لاحظ أنه لا يوجد تقرير يوثق به عن الأعداد التربوي الرسمي في تلك الفترة، كما أن هناك فقدان ملحوظ لأي بقايا آثار تدل على وجود المدارس جينذاك. وحتى يختبر هذه الفرضية قام بدراسة بعض الوقائع التاريخية التي تشخص وتصف تلك الفترة فاستنتج أن جزء صغيراً من المجتمع هو الذي يدخل المدارس، وأن المدارس لم يعول عليها في نقل المجتمع إلى الأفضل”. ترجمة.
وكذلك أورد فان دالين المثال التالي:
“تكشف وسائل الترويح التي كان الناس يمارسونها في الماضي عن كثير من جوانب شخصياتهم وأحوال الفترة التي يعيشون فيها. لذلك يهتم بعض الناس بتتبع تطور الرياضة. وقد صاغ (هندرسون)، بعد أن درس أنواعاً مختلفة من ألعاب الكرة وبحث أصولها، فرضاً يقول إن [كل الألعاب الحديثة التي يستخدم فيها المضرب والكرة ترجع إلى أصل عام وهو: طقوس مصرية قديمة للخصوبة كان يقوم بها الملوك الكهنة في مصر القديمة] ولاختبار صدق هذا الفرض فحص هندرسون الاحتفالات الدينية والعادات الشعبية للناس في العصور القديمة، وتتبع تطور الألعاب التي تستخدم فيها الكرة.
وذكر أنه قد وجد دلائل في الطقوس والعادات والمقابر تؤيد فكرته القائلة بأن ألعاب الكرة والمضرب الحديثة من مخلفات الطقوس الدينية القديمة”.
أما بست (1981) فقد أورد أيضاً عدداً من الأمثلة التي توضح صياغة الفروض في البحث التاريخي. ومما أورده الفروض التالية:
- “الدول المسيحية التي يشتمل نظامها التعليمي على [مواد دينية] تعاني من قلة مرتادي الكنيسة عند مقارنتها بالدول التي لا تقرر مواد دينية في مدراسها.
- كان لملاحظة الأنظمة المدرسية الأوربية من قبل المربين الأمريكان في القرن التاسع عشر أثر مهم على التطبيق التربوي الأمريكي فيما بعد”.
وهذا عندما تكون الفروض (وسيلة)، أي يجمع الباحث المعلومات ويتسنتج منها الأدلة والبراهين التي تؤكد صحتها أو لا تؤكدها.
وقد تكون الفروض في البحث التاريخي (غاية) بمعنى أن الهدف الأساسي من البحث يكمن في تكوين خلفية علمية متكاملة تؤهل لفرض فروض علمية يمكن التأكد من صحتها أو عدم صحتها ببحوث تالية. ومن الأمثلة على ذلك تلك الدراسة التي قام بها (شيابيتا) ابتداءً لبعض المصادر العلمية حول التربية عند الرومان التي من خلالها استطاع أن يفرض العلمي السابق.
وثاني خطوة:
يقوم بها الباحث هي مراجعة الدراسات السابقة التي كتبت عن الموضوع – إن كان هناك من دراسات – ليوضح مدى التشابه والاختلاف بينها وبين دراسته، وكذلك يبرز جوانب القوة وجوانب الضعف فيها وليتضح أيضاً موقع دراسته وأثرها في تلافي جوانب الضعف في الدراسات السابقة. كل هذا يتم طبقاً للخطوات التي سبق تفصيلها في الفصل الثاني من الباب الأول في هذا الكتاب.
وثالث خطوة:
هي تصميم البحث وتحديد خطواته الإجرائية.
وأهم الخطوات الإجرائية في البحوث التاريخية هي:
- تحديد مصادر البحث:
المصادر الأساسية:
وتسمى أحياناً المصادر الأولية. وهي المصادر الأولى للمعلومة, وبتعريف آخر هي تلك المصادر التي لم تعتمد في نقلها للمعلومة على مصادر أخرى سبقتها، وإنما هي أول مصدر أورد المعلومة. وقد عرفها بست (1981) بأنها “المقررة، أو المكتوبة، أو المنقولة بواسطة الشخص الذي لاحظها مباشرة أو شارك فيها”.
والمصادر الأساسية أنواع كثيرة حددها بست (1981) بالآتي:
- الوثائق والسجلات التي حفظت وكتبت من قبل شخص مشارك في وقائعها، أو على الأقل مشاهدة لها. وأعدت أساساً بغرض تهيئة المعلومات التي تحتويها للإستفادة منها والرجوع إليها مستقبلاً.
ومن الأمثلة على هذا النوع من المصادر: الدساتير، القوانين، القرارات، المحاضر الرسمية للاجتماعات. الرسائل الشخصية، اليوميات، العقود، الشهادات، الخرائط، الكتب التي لم تعتمد على مصادر أخرى، الرسائل العلمية، الصكوك، القوائم، الكاتلوجات، الأفلام، الصور، الرسوم، التقارير، التسجيلات، الصحف، المجلات، الفواتير، الإعلانات، سندات الاستلام، الرخص، الإحصاءات الرسمية… إلخ.
- الحفريات أو الآثار المرتبطة بشخص معين، أو مجموعة من الناس أو فترة زمنية محددة. وذلك مثل الأدوات، الأثاث، المباني، الملابس، العملة،… وجميع الآثار التي لم تعد بغرض الرجوع إليها مستقبلاً.
- الأدلة الشفهية من مشارك فيها، أو مشاهدة لها. وهذه يمكن الحصول عليها بواسطة المقابلة الشخصية لمن شارك في الظاهرة المدروسة أو شاهدها. ترجمة.
المصادر الثانوية:
وهي عبارة عن مصادر ثانية للمعلومة. أي أن المعلومة سبق أو وردت في مصدر آخر قبلها. وقد عرفها فان دالين (1962) بأنها “تلك المصادر التي تحتوي على تلخيص لمعلومة كتبها شخص لم يلاحظها مباشرة، أو يشارك فيها. والمعلومة إما أن تكون واقعة، أو حالة أو شيء محسوس… إلخ”.
أما بست (1981) فقد عرفها تعريفاً أكثر وضوحاً حيث قال بأنها “تقارير شخص يروي الأدلة عمن شارك في الواقعة أو شاهدها. فكاتب المصدر الثانوي هو من لم يشاهد الواقعة، وإنما هو من يروي وينقل ما رآه أو كتبه من اشترك فيها أو شاهدها”.
ومن الأمثلة على هذا النوع من المصادر الكتب المجموعة أو المحررة الكتب المؤلفة اعتماداً على المراجع، أخبار الصحف والمجلات، دوائر المعارف… إلخ.
وواضح أن هناك فرقاً كبيراً في القيمة العلمية للمعلومة المستقاة من مصدر أساسي، والمعلومة المستقاة من مصدر ثانوي. مما جعل كثير من الكتاب يؤكدون ضرورة البحث عن المعلومة في مصدرها الأساسي، وأن لا يُلجأ إليها في مصدرها الثانوي إلا في حالات خاصة جداً. كأن يثبت الباحث أنه من المتعذر حقاً الحصول عليها من مصادرها الأساسي. فالمصادر الثانوية معرضة لأخطاء كثيرة نتيجة لتناقل المعلومة.
كما أنه واضح أيضاً أن بعض المصادر الثانوية أكثر قيمة علمية من الأخرى. فالمصادر الثانوية – مثلاً – التي نقلت المعلومة مباشرة من مصدرها الأساسي أقرب إلى الدقة والصواب من المصادر التي نقلتها من مصادر ثانوية أخرى… وهكذا.
ومن العرض السابق يتضح أن المصدر الواحد قد يكون أساسي وثانوي في آن واحد، وذلك طبقاً للمعلومة المرادة. فإذا ذكر مؤلفه ما يشير إلى مشاهدته للمعلومة أو مشاركته فيها فيعد مصدراً أساسياً لهذه المعلومة. وأما إذا نقل عن غيره معلومة معينة فهو فيها مصدراً ثانوياً.
وأضاف بست (1981) التوضيح التالي حول متى يكون المصدر الواحد مصدراً أساسياً، ومصدراً ثانوياً في آن واحد عندما قال “إن ما يحدد أساسية المصدر أو ثانويته هو الغرض من استخدامه. وضرب مثالاً لذلك كتاب التاريخ المقرر في المرحلة الثانوية في أمريكا حيث قال إنه مصدر ثانوي بطبيعته، ولكنه إذا رُجع إليه بغرض معرفة مدى التغير الذي حدث على مبدأ (الوطنية) في كتب التاريخ المقرر على المرحلة الثانوية فيصبح مصدراً أساسياً”.
وأضاف بورق وقول (1979) نوع ثالث من المصادر سماه بـ
المصادر التمهيدية:
وهي المصادر التي تحتوي على معلومات عن المصادر الأساسية والثانوية من حيث نوعها، وماذا تحتوي عليه من المعلومات،… إلخ.
ومن الأمثلة التي ساقها لهذا النوع المصادر التالية:
- الدليل لكتب المراجع: لمؤلفه شيهي
- الدليل لمواد المراجع: لمحرره وولفورد.
- فهرس المراجع.
ولكن مما يعيق استخدام كثير من هذا النوع من المصادر أنها أعدت باللغة الإنجليزية وعن المصادر التي كتبت باللغة الإنجليزية فقط.
- نقد مصادر البحث:
وحتى يتسنى له ذلك، يتعين عليه أن يحاول أن يحصل على ما سماه بعض علماء المنهجية – مثل بست (1981) – بالبرهان التاريخي Historocal Evidence وهو ما يمكن أن يستنتجه الباحث من المعلومات التاريخية من خلال عمليتي نقد يتعين عليه تطبيقهما على ما يتوافر لديه من مصادر أساسية أو ثانوية. وهاتان العمليتان هما: النقد الخارجي، والنقد الداخلي.
النقد الخارجي:
وهو ما يوجهه الباحث لمظهر المصدر الأساسي وثيقة كان أم حفرية، ومن حيث هل هو أصيل أم مفتعل، صحيح أم مزيف. وبعبارة أخرى هو إجابة مثل الأسئلة التالية:
- متى كُتبت الوثيقة؟
- لماذا كُتبت الوثيقة؟
- من كتب الوثيقة؟
- هل من كتب اسمه على الوثيقة هو الذي كتبها فعلاً؟
- هل الوثيقة هي النسخة الأصلية أم صورة طبق الأصل لما كتبه مؤلف الوثيقة؟
ويمكن للبحاث أن يجيب على مثل هذه الأسئلة أو ما شابهها بعدة طرق منها ما أشار إليه فان دالين (1962) عند قوله بأن إجراء النقد الخارجي يمكن أن يتم بواسطة إجابة الباحث موثقة لمثل الأسئلة التالية:
- هل لغة، وأسلوب، وتهجئه، والكتابة اليدوية أو طباعة الوثيقة مطابقة تماماً للآثار العلمية الأخرى للمؤلف، وكذلك للفترة التي كتبت فيها؟
- هل أبدا مؤلف الوثيقة تجاهله لأشياء لا يُعقل أن يتجاهلها الذين في مستواه، أو الذين عاشو في وقته؟
- هل كبت مؤلف الوثيقة عن أشياء لا يعقل أن يعرفها الذين عاشو في الفترة التي كتبت فيها الوثيقة؟
- هل غير إنسان ما في المخطوط – عن عمد أو عن غير عمد – وذلك بنسخة بغير دقة، أو الإضافة إليه، أو حذف فقرات منه؟
- هل هذه هي المسودة الأصلية للكتاب أو نسخة منه منقوله عنها؟ وإذا كانت نسخة منقولة فهل تطابق الأصل حرفياً؟
- إذا كان المخطوط غير مؤرخ، أو المؤلف مجهولاً، فهل توجد في الوثيقة دلائل داخلية قد تكشف عن أصولها. ترجمة
أما بست (1981) فقد أضاف لما ذكره قان دالين بقوله “بأنه يمكن أن تشتمل طرق إجراء النقد الخارجي على اختبار عضوي أو كيميائي للحبر، والأوراق، وقطع الملابس، والقطع المعدنية، وكذلك القطع الخشبية”.
وبموضع آخر يقول بست (1981) أيضاً “يمكن تحديد عمر الوثيقة، أو تحديد مؤلفها بواسطة اختبارات متعددة مثل: اختبار التوقيع، اختبار الكتابة اليدوية، اختبار الطباعة، اختبار الحروف الهجائية، اختبار استعمال اللغة، اختبار التوثيق، اختبار المعارف المتاحة في الفترة التي أعدت فهيا الوثيقة، ومدى التزام الوثيقة بما هو معروف حينذاك”.
النقد الداخلي:
وهو ما يوجهه الباحث للمعلومة ذاتها التي يحتوي عليها المصدر الأساسي.
وبعبارة أخرى هو إجابة مثل الأسئلة التالية:
- هل من المحتمل أن يسلك الناس في ذلك الوقت السلوك الذي ذكره كاتب الوثيقة؟
- هل الأرقام المذكور تبدو معقولة في ظل العوامل السائدة حينذاك؟
- هل المعلومة التي أوردها كاتب الوثيقة معقولة؟
- هل يمكن أن يحدث ما وصف في الوثيقة في ظل العوامل الاجتماعية والطبيعية التي لها تأثير حينذاك؟
- هل هناك تناقض بين المعلومة ومعلومة أخرى وردت في الوثيقة؟
وللتأكد من صحة هذه المعلومة قد يضطر الباحث لمعرفة الإجابة على بعض الأسئلة حول الكاتب نفسه مثل:
- هل المؤلف واقع تحت ضغط اجتماعي، أو سياسي معين؟
- هل هناك دوافع معينة دفعت بالمؤلف ليكتب ما كتب؟
وحتى يجيب الباحث على هذه الأسئلة أو ما شابهها، يحتاج إلى معرفة تامة بالفترة الزمنية التي كتبت فيها الوثيقة، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية… إلخ، ذات التأثير على السلوك الفردي أو الجماعي في تلك الفترة.
وبهذا يستطيع الباحث أن يستخرج الأدلة العلمية الصحيحة تأليفاً ومحتوى من المصادر المتوافرة عن تلك الفترة، مما يُمكنه – بالتالي – من إجابة كل ما يمكن أن يطمئنه على صحة المعلومة.
وواضح أن قدرة الباحث على إجابة أسئلة النقد الخارجي، والنقد الداخلي سوف تكون محدودة، وذلك بسبب ما تتطلبه طبيعة تلك الأسئلة من جهد علمي كبير اختصره فان دالين (1962) بقوله “إنه لابد للباحث حتى يستطيع أن يجيب على مثل هذه الأسئلة أن يكون لديه إلمام تام، ومعرفة بما له صلة بموضوع البحث من بعض العلوم مثل: الفلسفة، والكيمياء، والانتربولوجي، والخرائط، والفن، والأدب. بالإضافة إلى حاجته من أن يكون لديه رصيد من المعارف التاريخية والعامة، وأن يكون ذو حس أثري، وحس عام، وذكي، وذو معرفة بسلوك الناس… إلخ”.
إلا أنه يتعين على الباحث أيضاً أن لا يستسلم لمحدوديته هذه وبالتالي يُسلم بصحة الوثيقة أياً كان نوعها، وإنما يجب أن يعمل ما بوسعه أن يعمله للتأكيد من صحتها وصحة محتواها.
وسوف يختلف الجهد المبذول في وثيقة تتوافر فيها المعلومات عن المؤلف، والتاريخ… إلخ من وثيقة تخلو من ذكر لمؤلفها، أو تاريخها… إلخ.
وكذلك يختلف الجهد من وثيقة لمؤلف مشهور يمكن مقارنتها بماله من مؤلفات أخرى من وثيقة ذات مؤلف ليس له أي إنتاج علمي غيرها.
- تحليل المعلومات:
فبعد أن تتوافر للباحث تلك المعلومات، يقوم بقراءتها قراءة تاريخية واضعاً نصب عينيه كل سؤال من أسئلة البحث على حدة ومحاولاً في قراءته هذه أن يصنف الحقائق، ويوضح العلاقة بينهما مستنداً في توضيحه هذا على ما يستخرجه من أدلة وبراهين تاريخية تؤكد ما توصل إليه.
ثم بعد ذلك يجيب على أسئلة البحث سؤالاً سؤال مبرهناً إجابته لكل سؤال بما استخرجه، واستنتجه من أدلة تاريخية. وما يتحصل عليه من إجابة لأسئلة البحث يُعد معياراً يستطيع قبول فروضه أو عدم قبولها بناء عليه.
وهذه باختصار هي مرحلة تحليل المعلومات، وعلى الرغم من أنها تبدو بسيطة إلا أنها هي صلب العملية البحثية. ولكن مما يُسهل على الباحث القيام بها على الوجه الأكمل اتباعه لخطوات تحليل المعلومات التي سبق تفصيلها في الفصل الرابع من الباب الأول في هذا الكتاب وهي باختصار:
- مراجعة المعلومات: ويفترض أن الباحث أعطى هذه الخطوة حقها من العناية عند مرحلة النقد.
- تبويب المعلومات: تبويباً يختاره الباحث ليهيئها من خلاله للتحليل الكيفي كأن يكون التبويب بناء على الفترة الزمنية: أي أن يُقسم فترة البحث إلى فترات كل واحدة منها تتصف بصفة خاصة مثلاً. وهذا يتطلب من الباحث أن يكون على دراية بأسلوب استخدام البطاقات وتسجيل المعلومات عليها الذي مر تفصيله في الفصل الثاني من الباب الأول في هذا الكتاب حتى يستطيع تفريغ الحقائق التاريخية في أبوابها.
- تفريغ المعلومات: أي وضع كل معلومة في قالبها التبويبي الذي يختاره لها.
- تحليل المعلومات: باستخراج الأدلة التي تبرهن على الإجابة العلمية لكل سؤال من أسئلة البحث.
- تفسير المعلومات، بإجابة أسئلة البحث، وتقرير قبول فروضه أو عدم قبولها.
- ملخص البحث وعرض النتائج والنتائج والتوصيات:
- ملخص البحث: مشيراً فيه إلى ماذا بحث؟، ولماذا بحثه؟، وكيف بحثه؟، وماذا توصل إليه؟.
- نتائج البحث: طبقاً لأسئلة البحث أو فروضه.
- توصيات الباحث: متأكداً أنها ذات صلة وثيقة بنتائج البحث، وأنها إجرائية يمكن الأخذ بها.
- توصيات لبحوث مستقبلية: متذكراً أن بعض الباحثين من بعده سوف يختارون منها مشكلات بحثية يقومون بدراستها.
- المميزات والعيوب:
ولكن نظراً لإن المنهج التاريخي يختلف عن غيره من مناهج البحث من حيث ارتباطه بظاهرة حصلت في الماضي، يجعل من المتعذر جداً التأكد بشكل قاطع من أنها حصلت بهذه الكيفية أو تلك…إلخ. فهناك تساؤلات عديدة أو علامات استفهام كبيرة حول علمية المنهج التاريخي، وصدق وثبات ما يتوصل إليه الباحث المطبق له من نتائج.
فمعروف أن المنهج التاريخي يقوم على تحليل الباحث لمصادر مدونة أصلاً من قبل أناس سبقوه، وإلا لما استطاع الحصول عليها. وهذا يجعل المعلومة التاريخية عرضة للهواء، والتفسير الذاتي من أطراف عدة هي:
- المدون الأول: فليس هناك من سبيل للجزم بعدم التحيز فيما دونه من معلومات.
- المدون الثاني: عندما يكون المصدر غير أساسي وإنما ثانوي.
- الباحث: الذي قد يتحيز ولو بصورة غير مباشرة وكأن يكون انتقاءه للمصادر مقصوراً على المصادر التي تؤكد ما يراه ويعتقده.
بالإضافة إلى إمكانية التحيز والتفسير الذاتي هذا، هناك عامل آخر يُقلل من علمية المنهج التاريخي هو التحليل الكيفي للمعلومات الذي يعتمد على استنتاج البراهين والأدلة التاريخية من المصادر. فليس هناك مقياس علمي دقيق لتقرير صدق ذلك الدليل أو عدم صدقه، كما يحدث في البحوث التجريبية والوصفية التي تعتمد على التحليل الكمي. فمثلاً قد يتوصل الباحث إلى النتيجة التالية:
[إن تاريخ التربية عند العرب يؤكد عدم احترام مهنة التدريس، وأن المنزلة الإجتماعية للمدرس لا ترقى إلى المنزلة الإجتماعية لكثير من أصحاب المهن الأخرى].
وذلك بدليل البراهين التالية التي استنتجها من المصادر التي أرخت وتناولت مهنة التدريس عند العرب.
- أن المدرس يدعي معلم الصبيان.
- أن دخل المدرس يعتمد على الصدقات.
- أن وجهاء الناس لم يزاولوا هذه المهنة، وإنما كانوا يُحضرون من يقوم بتعليم أولادهم.
ولكن أيضاً من الواضح أنه لا يمكن القطع بصدق دلالة هذه الأدلة. فقد يكون هناك أدلة أخرى وشواهد تؤكد مدى احترام هذه المهنة، وما يحضي به شاغلها من تقدير اجتماعي. ولكن بحث الباحث كان قاصراً ومحصوراً على مصادر محددة دون غيرها مما جعله يتوصل إلى نتيجة خاطئة.
ولكن عندما نتأمل هذه العيوب التي قد تؤثر فعلاً على علمية المنهج التاريخي، نجد أنها في الحقيقة ليست خاصة بالمنهج التاريخي وحده، وإنما في جميع مناهج البحث التي يطبقها الإنسان لدراسة سلوك أخيه الإنسان.
فالمناهج التي تعتمد على التجريب أو الملاحظة أو التحليل الكمي عرضة أيضاً لتحيز الباحث ولهذا أصبح معيار العلمية في مناهج البحث التي تدرس الظاهرة الإنسانية ليس مقصوراً على التجربة أو الملاحظة وحدهما وإنما على – كما أشار كثير من علماء المنهجية – تحري الدقة، وإبراز الأدلة، واتباع المنهج العلمي بخطواته المختلفة التي تشمل على تحديد دقيق للمشكلة، وتوضيح كامل لماهيتها، ومن ثم جميع المعلومات عنها متوخياً في ذلك البحث عن أصدق المصادر تأليفاً ومحتوي، وأخيراً المحاولة الجادة للابتعاد عن التحيز في التحليل، وفي استنتاج الأدلة والبراهين.
كل هذا سوف – ولا شك – يرفع جميع مناهج البحث التي تدرس الظاهرة الإنسانية، ومنها المنهج التاريخي، إلى المستوى العلمي المنشور، ويجعلها لا تقل إطلاقاً عن المناهج التي تعتمد على التجربة في دراسة السلوك الإنساني.
المرجع
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..