.
كلمة (تطبيع) مصدر الفعل الرباعي (طبّع) كما تقول: درّس تدريسا، وقتّل تقتيلا، وجرّد تجريدا، تقول: طبّع تطبيعا. ومعناه الظاهر : جعل غير الطبيعي طبيعيا، أو غير المعتاد معتادا.
.
أما كونه مصطلحا سياسيا فالظاهر أنهم يقصدون به جعل العلاقة مع العدو المحتل علاقة طبيعية بوجه من الوجوه.
.
ويفترض أن ينطبق هذا الوصف على كل عدو محتل، فالحكم الشرعي يعم كل الحالات المتشابهة، لكنه في الواقع ارتبط هذا المصطلح بالاحتلال الصه-يوني لفل-سطين، فلا أحد يذكر حكم التطبيع مع أمريكا وهي تحتل العراق وأفغ-انستان، ولا إيران وهي تحتل الأحواز وأربع دول عربية، ولا الصين وهي تحتل تركستان التي هي أكبر من مصر..الخ
.
حكم التطبيع
:
ممكن تقسيم التطبيع لتنزيل الحكم الشرعي عليه إلى الأقسام الرئيسة الآتية
:
أولا: التطبيع الذي هو خيانة، وضابطه كل عمل يعطي الشرعية للاحتلال بشكل صريح ومباشر، ومعنى الشرعية: أن احتلاله لبلادنا عمل مشروع، وأن مقاومته عمل مدان.
.
ثانيا: التطبيع الذي لا يقر بشرعية المحتل لكنه يقيم مع الاحتلال علاقات سياسية وتجارية كحال كل الدول العربية والإسلامية التي حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع أمريكا رغم احتلالها للعراق وأفغانستان، وكبعض الدول العربية والإسلامية التي تحتفظ بعلاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الغاصب رغم كل الجرائم التي يرتكبها في غز.ة. وهذا لا شك أنه منكر وسببه الرئيس حالة الضعف التي تمر بها الأمة، بل وغياب مفهوم الأمة أصلا.
.
ثالثا: التطبيع بحكم الواقع، كالتعامل اليومي للناس الواقعين تحت الاحتلال مع المؤسسات القائمة، كحال كل أهلنا في فل-سطين المحتلة خاصة ما يطلق عليه أراضي ال48، فهؤلاء يأخذون رواتبهم من الاحتلال، ويعالجون مرضاهم في مستشفياته..الخ وقد التقينا مع مجموعة من هؤلاء في موسم الحج فذكروا لنا تفاصيل كثيرة.
والحالة تتكرر في كل احتلال، فقد حصل مثل هذا في العراق، وهذا في تقديري لا ينبغي أن يكون محل إنكار مع أنه حالة شاذة، لكن الناس لا يتمكنون من العيش واستمرار حياتهم وتثبيتهم في بلادهم بدون هذا النوع من التعامل.
.
رابعا: التطبيع الأخطر، وهو التطبيع الثقافي، والذي يعني تقبل وجود المحتل بمنظور ثقافي، بل وتقبل ثقافة المحتل نفسها، ومثاله في الحالة الفل-سطينية؛ التبشير بالحق التاريخي لليه-ود في هذه الأرض، ومحاولة إزالة الحواجز بين الإسلام واليه-ودية من خلال (الإبراهيمية) ..الخ
ومثاله في الحالة العراقية؛ التثقيف بمشروعية تسليم العراق وغيره للمحتل الإيراني بدعوى (دولة الإمام النتظر) و (وحدة ساحات المق-اومة) وكيل المديح و (التزكية الدينية) لجنرالات الاحتلال والمليشيات المتحكمة بمصير العراق وثرواته.
.
خامسا: التطبيع الموهوم، وهو ما يطلق عليه بعض الناس (تطبيعا) وهو ليس بتطبيع، مثال ذلك: التفاوض مع العدو، فالتفاوض مع العدو أمر مشروع بكل المعايير الشرعية والقانونية، وهو أمر (طبيعي) ومتوقع بين كل الأعداء المتخاصمين، فالتفاوض لا يستلزم الإقرار بشرعية العدو، أما النقاش حول جدوى التفاوض ونتائجه فهذا موضوع آخر لا علاقة له بالتطبيع.
.
د. محمد عياش الكبيسي
-

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..