الأحد، 18 ديسمبر 2011

حول لقاء الغنوشي، زعيم النهضة التونسية، في معهد صهيوني في واشنطن

 تصريحاً عن السيد راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، فرع جماعة الإخوان المسلمين في تونس، يقول فيه: لا عداء ل”إسرائيل” في الدستور التونسي الجديد. وقد تناقلت عدة مواقع تونسية على الإنترنت ذلك الخبر، مما أثار التكهنات والتساؤلات عن معناه وتوقيته. وانقسم الجمع بين مشككٍ ومدافع. فقال المشككون أن مثل هذا التصريح، الذي أتى خلال زيارة للعاصمة الأمريكية واشنطن، هو بمثابة رسالة طمأنة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
وقال المدافعون أن الدساتير، التي تمثل إطاراً قانونياً للدول، ليست المكان الصالح لتكريس العداء للصهيونية، وان الدساتير العربية عامة تخلو من مثل تلك الإشارة…
وكان بإمكان الغنوشي، عندما سئل عن دسترة معاداة الصهيونية في تونس ما بعد بن علي، أن يقول أن هذا لا يعود له، بل للمجلس التشريعي، لو أراد أن يزايد على مضيفيه بالديموقراطية مثلاً. لكنه سمح لنفسه، كرئيس لحزب يمتلك أغلبية نسبية، لا مطلقة، في المجلس التشريعي التونسي، أن يحدد مسبقاً ما سيدخل في الدستور وما لن يدخل. هذه واحدة.
النقطة الأخرى هي أن الغنوشي كان يمكن أن يقول أن الدستور لن يدستر معاداة الصهيونية، لكن لحركة النهضة موقفاً ثابتاً وتاريخياً ضد الصهيونية، لكنه لم يفعل، بل قال: أن “النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي” لا يعنيه، لأنه شأن الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، وأنه جاء للتحدث عن تونس ومصلحته الخاصة (هكذا!)، وأضاف بأن حزبه لم يضع في برنامجه الانتخابي شيئاً يمنع إمكانية نشوء علاقة مع “إسرائيل”، وأكد على التنسيق مع الناتو الذي لن ينقطع، كما نجد في المقتطفات أدناه، وبالتالي لا يمكن أن نفهم ما قاله الغنوشي إلا كرسالة طمأنة للولايات المتحدة والعدو الصهيوني، وكأحد استحقاقات التحالف مع الناتو.
والأهم، وهي النقطة التي غابت عن معظم من التقطوا ما نقلته مجلة الويكلي ستاندرد عن الغنوشي، أن اللقاء الذي قال فيه ما قاله جرى في 30/11/2011 في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، وهو معهد أسسته إيباك، اللوبي الصهيوني في الكونغرس الأمريكي، عام 1985، وقد كان مارتن أنديك الصهيوني المتعصب المعروف هو المؤسس الفعلي له، وهو معهد يضم في مجلس إدارته عناصر من المحافظين الجدد مثل ريتشارد بيرل…
وهذا، بحد ذاته، وبغض النظر عن أي شيء قاله الغنوشي، أو لم يقله، هو تطبيع علني مع العدو الصهيوني، ولا يمكن إلا أن نفهمه هكذا. فالمعهد المذكور ما كان ليدعو مناهضاً للصهيونية للقاء، لكن الغنوشي قال أن موقفه “تطور”، دون أن يتراجع صراحةً عن مواقفه السابقة، وهو ما لم يعجب مضيفيه. فالقائمون على “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” لم يكتفوا بالمرونة الشديدة التي أبداها الغنوشي، وطالبوه بالتراجع عن دعمه العلني السابق، ونكرر السابق، للمقاومة والعمليات الاستشهادية وتحرير فلسطين الخ…، وتلك عادة الصهاينة المألوفة، وكثيراً ما يقدمون حتى أكثر رجالات السلطة الفلسطينية تهاوناً كخطر على أمن “إسرائيل” في وسائل إعلامهم، لكي يبتزوا المزيد والمزيد من التنازلات دوماً…
فإذا لم يصدر موقف واضح من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين تجاه اللقاء مع اللوبي الصهيوني في واشنطن، ومن فروع حركة الإخوان المسلمين في الأقطار العربية، ومن حركة النهضة بالذات، فمن الطبيعي فإن الاستنتاج الطبيعي يصبح أن اللقاء يعكس توجهات الأخوان في الإقليم، لا موقف الغنوشي وحده. فالأخوان بهذا أصبحوا جزءاً مما يسمى “عملية السلام”، يجالسون الصهاينة ويحاورونهم، ويحاولون التقرب لرؤى مشتركة معهم علناً، مع محاولة الحفاظ على حيز للمناورة مراعاة لمصداقيتهم أمام جمهورهم.
لكن مثل هذا اللقاء لا يمكن أن نفصله عن التحالف مع الناتو، والتقارب الإخواني مع هنري برنار ليفي من ليبيا إلى سوريا، وتساوق التحالف الإخواني-الليبرالي مع توجهات الإصلاح الأمريكية التي تركز على التغيير الدستوري و”الانتخابي” بعيداً عن التناقض مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، ومع ما يبدو أنه تحول لبرنامج حماس نحو “المقاومة الشعبية”. ولا تمكن التغطية على كل هذا بورقة تين بائسة…
أخيراً نلفت النظر في المقتطفات التي ترجمناها من محضر لقاء الغنوشي، من معهد الموقع الصهيوني على الإنترنت، أنه قال أن العام الحالي كان عام الجمهوريات العربية، والقادم هو عام الملكيات، بادئاً بالسعودية، ولم يحتج محاوروه الصهاينة على هذا!
ونترك الباقي مما قاله الغنوشي للقارئ الكريم ليحكم بشأنه، وهو أسوأ كثيراً مما نقلته الصحف والمواقع.
مقتطفات من مؤتمر راشد الغنوشي الصحفي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في 30/11/2011، من موقع المعهد على الإنترنت:
- موقف الولايات المتحدة من [الحاكم التونسي السابق] بن علي كان أفضل من موقف حلفائها الأوروبيين، فوزارة الخارجية الأمريكية أصدرت عدة تقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان والتعذيب في تونس، لكن السياسة الأمريكية لم تذهب أبعد من الإدانة اللفظية باتجاه الضغط السياسي والاقتصادي.
- لقد كانت هناك عدة ثورات عربية ناجحة في العالم العربي، وأخرى في طريقها إلى النجاح. لعل الوقت قد حان لنهاية الجمهوريات العربية القديمة، والعام القادم سيكون عام نهاية الملكيات. فقد أجبرتهم الثورات على مواجهة خيارات صعبة. إما أن يعترفوا بأن وقت التغيير قد حان، أو أن التغيير لن يتوقف عند حدودهم لمجرد أنهم ملوك. فالشبيبة في السعودية لا يرون أنفسهم أقل استحقاقاً للتغيير من نظرائهم في تونس أو سوريا.
- اعتبر موقف الولايات المتحدة من الثورات (الربيع العربي) إيجابياً، وهذا أحد العوامل الذي يمكن أن يسهل العلاقة بين الإسلام والغرب بعد كل التشويه لصورة الإسلام الذي أحدثه الإرهابيون.
- بالنسبة للحرب على الإرهاب، لقد كنت ممنوعاً من دخول الولايات المتحدة مع أني وحركتي لم نصنف أبداً كمنظمة إرهابية، وبسبب هذه الثورات، أنا أجلس بينكم الآن، وأتمتع بسعة صدركم للحوار، ولهذا أنا ممنونٌ لشهداء تلك الثورات وللمواقف الإيجابية منها.
- بالنسبة للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، فإن تلك مسألة معقدة لم تحل مع أن معظم الفلسطينيين قبلوا فكرة حل الدولتين، واليوم هذه المسالة تعني الفلسطينيين والإسرائيليين أكثر من أي طرف أخر، وأنا معني بتونس، الجميع معنيون بمصلحتهم الخاصة، وأنا مصلحتي تونس.
- لا أنكر أن موقفي قد تطور، وأنا فخور بأن موقفي قد تطور لأنني إنسان في النهاية، ولدي وثائق تثبت بأني رفضت أن أصنف الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر”…
رداً على سؤال: السفير الأمريكي في تونس قال مؤخراً بأن تونس في ظل النهضة ستكون أقل شبهاً بغزة في ظل حماس وأقرب لتركيا حليف الناتو. هل تستطيع أمريكا أن تتوقع أن تونس في ظل النهضة ستكون مثل حليف للناتو؟
- تونس الآن لديها لجان تنسيق مع الناتو على عدة مستويات، وليست لدينا نية لإلغائها، وتونس لديها اتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، الذي يشكل الجزء الأعظم من الناتو.
رداً على سؤال حول ما إذا كان الدستور التونسي سيتضمن بنداً يحظر العلاقات مع إسرائيل أو الصهاينة؟
- ليس هناك ذكر لقطع إمكانية نشوء علاقات مع إسرائيل في برنامجنا. وما أشرت إليه هو وثيقة وقعتها أحزاب المعارضة ومنها النهضة. لكن الدستور يجب أن يتعامل فقط مع السياسات طويلة المدى التي تؤثر على تونس، والنزاع العربي-الإسرائيلي ليس واحداً منها.
رداً على سؤال: يوجد في السجل تصريح لك أن حكومة حماس في غزة نموذج للديموقراطية، ألا زلت تعتقد هذا؟
- لا أذكر إطلاق مثل هذه التعليقات حول حماس. لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن حماس منتخبة بشكل ديموقراطي، وبالتالي فإنها حكومة شرعية.

د. إبراهيم علوش

الاردن العربي

مواضيع مشابهة-أو-ذات صلة :

الغنوشي يلوح من واشنطن: عروش الملكيات العربية تهتز والسعودية لا تختلف عن تونس وسوريا

هل يُدخل الغنوشي 'الإخوان' في الحرب العالمية على 'الدولة الإسلامية'؟

نتائج صفقة النهضة مع واشنطن: ليبرمان يعرض المساعدة على حكومة الجبالي

الغنوشي ينفي و لكن تتضح امور اخرى !

الغنوشي: الدستور الجديد لن يعكس الشريعة الإسلامية

عقيدة الإخوان المسلمين

ملتقى النهضة الشبابي :ملف كامل

في الرد على الجبالي والغنوشي وعاكف: الإسلاميون الجدد - هل هم علمانيون جدد؟

راشد الغنوشي... والمملكة العربية السعودية

"النهضة التونسية" تخلع عباءة الإخوان وتتحول لحزب سياسي

الغنوشي وحلم الثورة في السعودية

الغنوشي و تجدد العداء القديم

مَن منكم صدّق الغنوشي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..