* إذا كان الدكتور لا يفرق بين مقام الدعوة والقضاء ويخال الدولة مهمتها دعوة الناس
فقط لا
الحكم عليهم والقضاء فهو تصور ساذج جداً، وهذا المأزق من شواهد ضعف تصور
السويدان للمسألة التي يتكلم فيها، وخلطه الفظيع
* كلام السويدان عن الردة هو من شواهد تهوره وجرأته، فهل الصريح الواضح من القرآن غاب عن كل
علماء المسلمين وفقهائهم ثم أدركه السويدان بعد أربعة عشر قرناً الذي هو ليس بفقيه
كما يقرّ بلسانه؟ أي جرأة وعبث مع الشرع وأحكامه ومسائله يمتلكها؟
* العجيب أن السويدان يُعمل العموم والاحتمال ضد ما أخذ به الفقهاء
كلهم وضد فهوم العلماء أجمعهم، أما شذوذاته وانفراداته وفهومه القاصرة فهي قطعية
مقدسة هي أصل الدين وجوهر الملة ومنطلقة من الوعي بالإسلام
من أمارات تهافت القول
– حينما يكون موضوعه بيان الحكم الشرعي – أن يكون مبتكراً وجديداً على ساحة
الفقهاء، لم يقل به فقهاء الإسلام، خاصة السلف منهم مع كونه يمس موضوعاً يهمهم
وعايشوه، لا نازلة أو حادثة عصرية، فجدة القول بذاتها علامة على تهافته إذ لو كان
حقاً لبعُد أن يظل المسلمون في عصر صدر الإسلام وما تلاه من عصور التميز العلمي
والفقهي مجانبين لهذا الحق لم يهتدوا إليه، عوضاً عن أنه لا يخلوا زمان من قائم
بالحق كما هو مدلول حديث: ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ) ، فما بالك إذا
انضاف لذلك تصريح علماء الإسلام بخلاف هذا القول ؟ وجريان تاريخ المسلمين على
خلافه؟ ثم ما بالك لو كانت ظروف إشاعة القول هي حقبة شاعت فيها سطوته من طرف
خارجي؟
استفهامات ثلاث على دعوى
حرية الرأي والتعبير مهما كفرت وخرجت عن الإسلام، فنقول لأصحاب هذه الدعوى: من أين
لكم في تأريخ المسلمين تفريق بين الرأي وما عداه ، وإعفاءٌ لمجرمي الآراء من
العقوبات الشرعية ؟ ثم ما محل عمل السلف ومن تلاهم من المسلمين وهديهم في تقرير عقوبة
الخارجين عن الشرع؟ ثم ما جوابكم عن ظرف منشأ قولكم إذ لم نسمعه إلا بعد مواضعة الغرب
على تقديس ( الرأي ) وحريته، المواضعة المتماشية مع ثقافتهم الخالية من رأي قاطع
يقيني ولو في مسألة فطرية كوجود الرب ؟
قرأت بياناً للدكتور طارق السويدان بعنوان :
( الحرية حق شرعي ومقدس ) تطرق فيه لرأيه في الحرية، وعلق على بعض النقد الذي
واجهه، وقد اتسم بيان الدكتور بالخطابية المفرطة، وافتقاد النقاش العلمي والبرهاني،
كما إنه متناقض في قضاياه متضارب في تقريراته ، في مغالطاتٍ بيانها في الوقفات
التالية:
1- افتتح الدكتور السويدان حديثه بأن (من المفاهيم التي كانت و ماتزال تشكل تحديات
عظيمة و تحمل في طياتها إشكالات عميقة داخل الفكر الاسلامي هو مفهوم الحرية )
وهذا التقرير الصريح في وجود إشكالات عميقة حول الحرية في الفكر الإسلامي تناساه
الدكتور في عنوان البيان وما لبث أن تخلى عنه سالكاً جادة المبالغة وضارباً
بالموضوعية عرض الحائط حينما صرّح في مواضع أخرى بحسم المسألة والقطع بها، و أن
الحرية حق مقدس، و كما يقول: (الحرية هي جوهر العقيدة الاسلامية ... الحرية
مبدأ شرعي و حق مقدس من ضربه أو حاربه فقد ضرب أساس الدين و حارب جوهر الإيمان)
ولقد كنا نتمنى لو استمر الدكتور موضوعياً في سائر بيانه بدل أن يختزل الموضوعية
في سطر واحد.
2- فسّر الدكتور الجواز الذي يرمي إليه بأنه
جواز سياسي لا تجويز ديني للاعتراض على الله ورسوله، واستشهد بإقرار أهل الكتاب
على أديانهم في الدولة الإسلامية ليثبت الفرق، والحقيقة أن هذا التفسير خاطئ،
والاستشهاد خاطئ أيضاً لأن الشاهد لا يتحمل ما بناه عليه الدكتور، وقبل الوقوف مع
الشاهد نقف مع التفسير، فإن حاصل تفسير الدكتور (الفكرة العلمانية التي تفصم ما
بين الجائز الديني والجائز السياسي) وهي فكرة لا محل لها في الدولة الإسلامية،
التي ما وصفت بكونها (إسلامية) إلا لأجل التزامها بما يجيزه الإسلام وما يحرمه،
فما كان في دين الإسلام حراماً فهو في دولة الإسلام محرم.
وأما الشاهد الذي استشهد به فليس صالحاً
لفكرته، ذلك أن الإسلام لما أقرّ أهل الكتاب على أديانهم أحاط هذا الإقرار بضوابط
عديدة منها أن يظل دينهم منحصر في إطارهم وألا يظهروه في دولة الإسلام، وحينما
منعهم الفقهاء من إظهار دينهم فمن باب أولى أن يمنعوهم من إظهار طعنهم في دين
الإسلام، وهذا ما أجمع عليه فقهاء الإسلام عن بكرة أبيهم، أن الطعن في دين الإسلام
لا يقر عليه أحد، وأنه إن صدر من أهل الذمة صار تصرف حربي يستوجب قتالهم، كما قال
تعالى [وَإِنْ
نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ
فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ] {التوبة:12} فالآية صريحة في عدّ الطعن في الدين من جملة
التصرفات الحربية، ولذا نص أئمة الإسلام على أن من أنكر عقوبة أهل الكتاب إن
أظهروا الطعن في الدين أنه يكفر بذلك، لأن هذه العقوبة مما علم من دين الإسلام
بالضرورة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإظهار الطعن في الدين لا يجوز للإمام
أن يعاهدهم مع وجوده منهم؛ أعني مع كونهم ممكَّنين من فِعلِه إذا أرادوا. وهذا مما
أجمع المسلمون عليه؛ ولهذا بعضهم يعاقِبون على فعله بالتعزير. وأكثرهم يعاقِبون
عليه بالقتل. وهو مما لا يشك فيه مسلم؛ ومن شك فيه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)
.
فالشاهد الذي أخذه الدكتور لا يحتمل ما
يريده من تجويز الكفر والطعن والاعتراض على الله ورسوله، وإنما هو إقرار لأهل
الكتاب على دينهم مقابل ما يدفعونه من جزية، وبشرط ألا يظهروه فضلاً عن إظهار
الطعن في الإسلام أو الدعوة لغيره.
عوضاً عن كون أحكام أهل الذمة من الاستثناء
الذي لا يصح القياس عليه، فما يقرون عليه في إطارهم الخاص لا يقرّ عليه المسلم لو
اقترفه، بل يؤاخذ عليه ويحاسب، وهذا مما أجمع عليه المسلمون، وهو من بدهيات البحث
الفقهي، فلا يسوغ للسويدان محاولة القفز عليه وخلط الأوراق.
3- يقول الدكتور: (كان اليهود يعترضون
على الله عز وجل وعلى نبيّه صلى الله عليه وسلم ولا يحبسهم أو يقتلهم، وكان
المنافقون يثيرون الشبه فينزل فيهم القرآن يدحض شبهاتهم و يفند افتراءاتهم من غير
أن ينال أحدا منهم بعقوبة دنيوية ) وهذا احتجاج خطابي لا يغني من الحق شيئاً،
فإنه إن أراد حال اليهود في بادئ الدعوة فهو يحتج بمرحلة ما قبل فرض الشرائع
واكتمالها، ويمكن الرد عليه بأن الشريعة جاءت بعد ذلك بطرد اليهود من جزيرة العرب
وتحريمها عليهم كما جاءت بمنعهم من الطعن في الدين، وأما حال المنافقين فيكفي أنهم
منافقون (أي يبطنون كفرهم وعقيدتهم ويستخفون بها ) ولا أدري في أي منطق يستقيم
للمرء أن يحتج في بناء الحرية بما هو على النقيض من مقصوده حيث الاختفاء والاستتار
بالعقيدة والكفر؟!
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستدعي
المنافق حينما تبلغه عنه كلمة قالها في بيته ويسأله عنها ويعقد له مجلس استتابة
يحلف فيها كاذباً أنه ما قالها، كما في قصة الجلاس بن سويد وغيره، فأي تزوير يسلكه
السويدان حينما يصور أن المنافقين كانوا في حرية من الطعن في الدين أو التشكيك فيه
أو الكفر به؟
إن هذا الاحتجاج الفاسد مثال صغير على
الأزمة المنهجية والموضوعية التي يتسم بها أرباب القول بالحرية الغربية حينما لم
يجدوا لهم في تراث المسلمين ما يناسب فكرتهم، وللمزيد في تفنيدها ينظر (شبهة
حرية المنافقين) للشيخ إبراهيم السكران.
4- يقول الدكتور : (والقرآن الكريم
والسنة النبوية المطهرة مليئان بمثل هذا من اعتراض وأسئلة تشكيكية وشبهات ضالة)
إن كان السويدان يقصد بأنهما مليئان بالشبهات الضالة من جنس الشبهات التي يريد هو
كفلان الحرية لها وعدم منعها فهو طعن في القرآن والسنة وتجني عليهما وكفر بهما،
وأنا أعلم أنه لم يقصده وإنما يقصد صورة أخرى وهي أن القرآن والسنة يعرضان هذه
الشبهات الضالة في معرض تفنيدها ودمغها بنور الحق، والسؤال: كيف يسوغ في ضوء
المنطق والمنهج العلمي أن تحتج لتسويغ الكفر وكفلان الحرية له بصورة الرد على
الكفر وتفنيده وإبطاله؟ أي قلبٍ للأمور وتزييف للحقائق فوق هذا؟
5- جلي فيما كتبه السويدان أنه ينافي بين وسيلة
الإقناع والبرهان في تغيير الآراء الباطلة وبين وسيلة المنع وصيانة المجتمع منها،
بل ويصم وسيلة المنع في سياق الاستخفاف والازدراء بأنها ( إخراس وقمع وإسكات )
ونحوها من ألفاظ تدل على خلل تصوري، إذ من يتصور ( كفراً وباطلاً وإثماً وانحرافاً
) يتم منعه، فلن يستخف بهذا المنع على أنه قمع وإرهاب وإخراس، وإنما هذا الاستخفاف
ناشئ من خلل في اكتمال التصور حول كون الممنوع كفراً وباطلاً.
إنه لا منافاة بين الإقناع وبين منع الباطل،
فالإقناع يستهدف هداية المبطل، والمنع يستهدف حماية المجتمع من باطله، وحفظ مقام
الحق من تجريحاته، ولا يوجد قانون في العالم لا يمنع الرأي والتعبير، فهذا مما
اقتضته الضرورة البشرية، وإنما الخلاف بين المسلمين وغيرهم هو في معيار ما يمنع من
الرأي والتعبير، فالماديون يمنعون الرأي الذي يمكن أن يدفع لضرر مادي، والمسلمون
يمنعون ما يدفع لضرر ديني لأن الدين من الضرورات الخمس عندهم، فلا يسوغ للسويدان
أن يستخف بمبدأ المنع إلا إن كان يقول بالحرية المطلقة حتى من قيد القانون وهي
حرية الفوضى والعبث والبهيمية.
ولمزيد معالجة لمشكلة المنافاة بين المنع
والإقناع ينظر (الموقف الشرعي من نشر ما يقدح في دين المسلمين)
للشيخ سلطان العميري.
6- يقول الدكتور مبرراً ما ذهب إليه في
الحرية (نحن دعاة إلى الله عز وجل ولسنا قضاة على الناس) وهذا كلام غريب
يتناقض مع الفكرة الأساسية التي يتكلم فيها حينما قال: (أتكلم عن الدولة
المسلمة التي أتمنّى أن تقوم، وعن شكلها وضوابطها ورؤيتها وطريقة قيامها وحكمها)
وإذا كان الدكتور لا يفرق بين مقام الدعوة والقضاء ويخال الدولة مهمتها دعوة الناس
فقط لا الحكم عليهم والقضاء فهو تصور ساذج جداً، وهذا المأزق من شواهد ضعف تصور
السويدان للمسألة التي يتكلم فيها، وخلطه الفظيع.
7- يغالط الدكتور مستمراً في خلط صور
المسائل وتزييف نقطة البحث فيقول: (إن من لديه شك في أمر من أمور الإسلام فمن
حقه أن يبدي هذا الشك وواجبنا نحن الدعاة أن نستمع له ثم نبين له الحق، وهذا أفضل
بكثير من بقاء الشك في عقله والريبة في نفسه) فهو يجهل أنه حينما نتطرق
لإشكالية الحرية وهل تشمل الكفر والتكذيب والاعتراض والزندقة؟ فإننا بكل تأكيد لا
نعني صورة المتسائل، وطالب العلم والباحث عن الحق، أو بعبارة أخرى: ليست الصورتان
صورة واحدة، بل يمكن أن يكون الكلام في كلٍ منهما مختلفاً عن الأخرى.
8- من تناقضات السويدان أنه يقول: (كما
أن هناك فرقا شاسعا بين حرية التعبير التي أدعو وأؤمن بها, وبين حرية السب والشتم
والاستهزاء) رغم أن دليله الذي يستدل به على الحرية يسع السب والاستهزاء! فهو
يستدل باليهود والمنافقين وما حكاه القرآن عن أهل الضلال، ومعلوم أن من جملة ما
حكاه القرآن سب اليهود لله وسب الكفار للأنبياء، وأن المنافقين كانوا يستهزئون
ويسخرون في جملة صنائعهم التي حكاها القرآن عنهم والتي يحتج بها السويدان في مسألة
الحرية، وهذا التناقض يدل على بطلان موقفه إذ أنه لا يعرف الفرق بين القضية التي
يقول بها وبين الدليل الذي يستدل به عليها!
9- يقول الدكتور : (تعريفي للحرية الذي
أكرره دوما ( قول وفعل ماتشاء بأدب وبلاضرر ), فإذا أساء الإنسان الأدب مع الله
أورسوله أوحتى مع الناس , أو استهزأ بدين الله أو المقدسات عندنا أومقدسات غيرنا ,
فإن صاحب هذا الفعل ينبغي أن يعاقب لأنه تجاوز الحرية إلى الإساءة والضرر, سواء
كان من المسلمين أو غيرهم.) وفي هذا الكلام أغاليط في قضايا، أولها : السويدان
يقرر أن الإسلام جاء بالحرية المطلقة بينما هو يحدد الحرية ويحصرها بالأدب والضرر،
فمن أين له هذا الحصر والتقييد لما جاء الإسلام بإطلاقه كما يزعم؟ ثانياً: أن
الضرر يأتي على سدته نشر الكفر والزندفة فهي تضر بالدين لا في ذاته وإنما تضر بعض
المتدينين من العامة الذين لا يميزون وليسوا علماء، وهذا الضرر أعظم من ضرر إساءة
الأدب وإيذاء الشعور النفسي، يعرف ذلك من يعرف إجماع المسلمين في مقاصد الشريعة
على حفظ ضرورة الدين. ثالثاً: السويدان يساوي بين الإساءة لمقدساتنا أو الإساءة
لمقدسات غيرنا والعقوبة على الاثنتين، وهذا لا يمكن قبوله في الفكر الإسلامي، بل
هو منطلق من قاعدة المساواة اللادينية التي لا تميز الحق من الباطل، فكل الأديان
عندها على درجة واحدة من النسبية، أما المسلم الذي يفرق بين الحق والباطل فلا يمكن
أن يعد الإساءة للحق مثل إبطال الباطل، فالأول جريمة والثاني واجب، ويشهد لذلك أن
إبراهيم عليه السلام هدم أصنام قومه وهي مقدساتهم، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم
هدم أصنام قريش يوم الفتح، وأرسل السرايا لهدم أصنام القبائل العربية بعده، فهل
كان السويدان سيجرم أنبياء الله ورسله أنهم أساءوا لمقدسات غيرنا؟
10- يجتزئ السويدان رسالة الإسلام ويختزلها
حينما يقول : (الاعتراض على الله و رسوله كفر لا شك في ذلك, إلا أننا أمرنا
بالدعوة الى الله و مقارعة الحجة بالحجة مع الكفار، كما أمرنا بكشف شبهة من له شبه
من أهل الاسلام) وهذا حق إلا أن هذا الأمر كان في المرحلة المكية من الدعوة
الإسلامية، أما المرحلة المدنية فأضافت إلى الدعوة ومقارعة الحجة : الجهاد بالسيف
والحكم بالقوة والدولة، وهذه من البدهيات المتقررة في فقه الإسلام وتاريخه ولا
تخفى على من له أدنى بصيرة في الإسلام، ومن ذلك الأمر الصريح في القرآن بقتال من
لا يدين بدين الحق ولا يحرم من حرم الله ورسوله كما قال تعالى [قَاتِلُوا
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِاليَوْمِ الآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ
مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ] {التوبة:29}
فمحاولة اختزال
الإسلام في الأمر بالدعوة فقط وتجريد الدولة الإسلامية من مهماتها التي تمثل الشق
الثاني من مراحل التشريع الإسلامي جناية عظيمة على الإسلام لا يجترئ عليها إلا
غلاة الزنادقة من العلمانيين والمستشرقين.
11- يجهل السويدان أبعاد المسألة موضع
النقاش فيظن أن منع المبطلين غرضه فقط هدايتهم غافلاً عن كون غرضه الأساس حماية
المجتمع منهم وصيانة الدين وحفظ مقامه وضروراته فيقول: (بل أعتقد جازماً أن لا
معنى للإيمان بالله بلا حرية، فالإيمان قبل كل شيء هو قرار و اختيار، و لا اختيار
لمضطرٍ فاقدٍ للحرية) وهو في هذا النص لم يأت بجديد، ومنع الكفر والزندقة ليس
غرضه إيمان الممنوع بالدرجة الأولى وإنما غرضه حفظ المجتمع الإسلامي من انحرافاته
وهذا ما يجيب على تساؤله: (من المعروف لكل من درس العقيدة الاسلامية أن أساس
الايمان هو التصديق القلبي و القناعة العقلية (ويظهره اللسان ويصدقه العمل) ...و
أنا هنا أتسائل كيف يحل هذا الاشكال عند القائلين بحد الردة؟ وهل طلب الشارع
الحكيم منا إجبار الناس على الايمان ؟) فهو يخال أن القائلين بحد الردة (كل
علماء الإسلام وفقهاؤه لا الجمهور كما يزعم) ليس في أذهانهم إلا إيمان المرتد، وهو
تصور ساذج لو قرأ كلامهم لتبين له غيره، وأنهم قالوا بحد الردة استجابة لأمر الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم أولاً، وثانياً: أنهم يفهمون كونه يهدف إلى حماية
المجتمع الإسلامي وإقامة حرمةٍ لدين الله كدستور لهذا المجتمع لا يجوز الخروج
عليه.
12- يقول السويدان (الحرية هي جوهر العقيدة الاسلامية فقد نص علمائنا
"أنه لا يصح إيمان المقلد" فكيف يصح "إيمان المكره و المجبر و
المضطر" ) وفي هذا الكلام قضيتين، الأولى: زعمه أن إيمان المقلد لا يصح،
وهذا مذهب المتكلمين لا مذهب السلف، ويخالف مذهب أهل السنة الذين يصححون إيمان
المقلد، الثانية: سؤال كيف يصح إيمان المجبر لا علاقة له بالمبحث، لأننا لا نهدف
إلى تصحيح إيمان معيّن أو نفيه، وإنما نبحث في حدود التعبير المقبولة في المجتمع
والقانون الإسلامي، ومن المؤسف أن هذه النقطة لا تزال غير واضحة في فهم السويدان.
13- يقول الدكتور: (كم يؤلمني أن الحرية الفكرية تحارب باسم الدين ,
مما يجعل الناس يتخوفون من حكم الاسلاميين, وحق لهم ذلك) وهذا الكلام الخطابي
انطوى على تقعيدات خطيرة، منها أن عموم الناس يخافون من منع الكفر والزندقة ولا
يخاف من ذلك إلا زنديق أو كافر، وهذا كله ينافي ما يزعمه من أن الحرية في
المجتمعات الإسلامية لا تنتج إلا الإسلام وازدهاره !
إن السويدان يزايد حينما يدعي خوف الناس من حكم الإسلاميين لأجل أن
الإسلاميين سيمنعون الكفر والباطل والإثم (الذي يدّعي أنه مشمول بالحرية الفكرية)
وفي الحقيقة أنه لا يخاف إلا زنديق علماني لا مكان له في مجتمع المسلمين، وأن بقية
الناس مرتاحون ومطمئنون لحفظ دينهم وحفظ أسماعهم عما يجرح هذا الدين أو ينافيه،
فهو أعز عليهم من أنفسهم وأموالهم وأهلهم.
14- يلخص الدكتور السويدان علمانيته لا في مجال الفكر والتعبير فحسب فيقول:
(وألخص رأيي بأنه على الصعيد العملي أعتقد أن للأنسان الحرية في أن يعمل ما يشاء
ما لم يتجاوز ما اتخذه المجتمع من أنظمة تكفل أمنه و استقراره. أما في مجال الفكر
فلا أرى للحرية فيه حدود إلا الأدب وعدم الإيذاء اللفظي) وليس عندي مشكلة أن
يرى الدكتور هذا الرأي المنحرف بقدر المشكلة التي تكون في نسبته هذا القول
للإسلام، أيظن السويدان أن خلافنا مع العلمانيين في أنهم يسمحون بتجاوز الأنظمة
والقوانيين؟ إن خلافنا هو في اعتبار مرجعية الإسلام والالتزام بقيوده من عدم ذلك،
والعلمانيون بديلهم عن القيود الإسلامية: القيود القانونية التي يتخذها المجتمع،
والتي تشربها السويدان ذات تجلٍ علماني مؤسف!
15- لا أدري كيف يستسهل السويدان أن يستشهد بقولة الفاروق في بيانه مع أنه
من أعظم الناس مجانبة لهدي الفاروق وسيرته، يقول: (إن قولة الفاروق عمر ( متى
استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) أصلت هذا المبدأ وذهبت مثلا في كل
لسان، لأن الإنسان مولع بحريته، وحرية فكره ورأيه ومعتقده) وهذا من مغالطات
السويدان فإن قولة الفاروق ترمي إلى الحرية بمعناها الذي يقابل الرق، ولا تتضمن
الحرية الغربية في الرأي والمعتقد والسلوك، لقد كان الفاروق فارس الاستئذان الشهير
(دعني أقتله يا رسول الله فقد نافق) لما يسمع كلمات المنافقين أو يرى مواقفهم، كما
كان صاحب الدرة التي أدمى بها رأس من يثير الأسئلة المتشابهة كما في قصة صبيغ،
ولما تأول بعضهم حل الخمر عرضهم عمر على السيف حتى رجعوا عن رأيهم، فليت السويدان
لم يتطرق لذكر الفاروق الذي هو منارة تتهافت عندها تقريراته في الحرية الباطلة.
16- من أخطاء السويدان العلمية والمنهجية استدلاله بالآيات المكية التي
تشرح الحقيقة الكونية عن اختيار الإنسان كما في قوله: ( فمن شاء فلؤمن ومن شاء
فليكفر )وهي وان جاءت للتهديد بالعقوبة في الاخرة فقد ذكر أكثر من عالم أنها تؤصل
كذلك لحرية العقيدة في الدنيا ,وجاءت ايات أخرى تؤصل حرية اختيار العقيدة تجاوزت
مائتي اية منها (لست عليم بمسيطر) و ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )
وغيرها كثير) وهي آيات تعالج قضية التدين، وتشرح طبيعته، وأنه لا يتأتى إلا
بالاختيار لا الإجبار، وهذه الآيات كانت في المرحلة المكية - قبل وجود الدولة
الإسلامية أصلاً - فليست خطاباً تشريعياً لموقف الدولة، إنما هي خطاب تثبيت للنبي
صلى الله عليه وسلم مع ما يواجهه من تكذيب وأذى، وغاية ما فيها أنك يا محمد لا
تملك إدخال الناس في الإيمان، وليس فيها عدم منعهم من إعلان الكفر وإظهاره في مجتمع
المسلمين.
17- محاولة تزييف يقدم عليها السويدان حينما قال: (الإسلام لاينتشر ولا
يزدهر ولايطبق إلا في أجواء الحرية، ولاتبعدوا النظر، فقد حكمتنا دكتاتوريات كثيرة
زعم بعضها أنهم يحكمون بالإسلام كصدام حسين وغيره، فهل كان للإسلام وجود في ظل تلك
الدكتاتوريات؟ وهل كان له تأثير أو كان له عبق؟ وهل يمكن تطبيق الشريعة الحقة في
ظل حكم ديكتاتوري أم أن الشريعة سيتم تطبيقها بشكل مشوه؟) فهو يريد افتراض
ثنائية بين حريته الباطلة وبين حكم الطواغيت وكأنه يسلم لهم ما يدعونه من إسلام ؟
وهذا التصرف غير الموضوعي وغير الأخلاقي ينطوي على محاولة تشويه التصور الإسلامي وأنه
يعني نموذج صدام حسين، ونحن نقول له: لا أنت ولا صدام حسين، فكلاكما مبطل وعلى
باطل، والحق في الحكم الإسلامي كما هو في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
وسيرة الخلفاء الراشدين الذي كان فيه حكم بالإسلام وخضوع لأحكامه وانضباط بقيوده ومنع
للخروج عنه، مع غاية العدل والرحمة .
18- بعد أن أخذ السويدان يقدس ويوجب ويحتّم الحرية التي استفادها من الفكر
الغربي ويزعم أنها جوهر الدين وأساس الإسلام انتقل بدون مقدمات إلى لهجة أخرى
تتحدث عن احتمالية القتل لأجل الرأي إذا اقتضته المصلحة ! ذلك ما صنعه حينما بدأ
الحديث عن حد الردة، فأجاب عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم شرعه من باب السياسة
الشرعية، وهذا الجواب رغم ما فيه من مغالطات لا يتناسب مع رأي السويدان، بل يتصادم
مع كل تقريراته في مقاله، فهل حريته في نهاية الأمر من باب (المصلحة المرحلية)؟ أم
هي كما يزعم (مقدسة وأصل الدين و الإسلام كفلها) ؟
فالإسلام الذي كفلها وجعلها أصل الدين كيف يكون هو ذاته الذي يقتل
المرتدين من باب (المصلحة) كما يفسر السويدان قتل النبي لهم ؟
هذه من مؤكدات الإشكال العميق والخلل المنهجي في تناول طارق السويدان
لمسألة الحرية .
19- نسب السويدان للأحناف قولاً لا وجود له في الفقه الإسلامي، فيقول: (بعض
العلماء يرى أن العلة في قتل المرتد هي الحرابة (أي رفع السلاح ضد الدولة)، ولذلك
فهم يرون قتل الرجل المرتد وعدم قتل المرأة المرتدة (لأنها أبعد عن حمل السلاح)
كما هو الرأي المعتمد لدى الأحناف ) والحقيقة أن الأحناف يقتلون كل رجل مرتد
ولو لم يرفع السلاح وتعليلهم بالحرابة ليس معناه رفع السلاح كما يتوهم، وإنما هم
ينظرون إلى (إمكانية رفع السلاح) والعجيب أنه ينقل قول الموصلي : (لأن إباحة
القتل بناء على أهلية الحراب (القتال) على ما عرف ) ثم يفسره قائلاً: ( أي
لأن الكافر لا يقتل الا اذا حمل السلاح , فكذلك المرتد لا يقتل الا اذا حمل السلاح)
وهذا تفسير مغلوط، والتفسير الصحيح: أن الذين يقتلون من يمكن أن يرفعوا السلاح ولو
لم يرفعوه، كما ينصون عليه بأهلية الحراب، فهو وصف غرضه إخراج النساء والصبيان عن
القتل.
20- يظن السويدان أن ما يقرره لا يزال في نطاق الفقه الإسلامي فيقول: (ثمّ
إنّ هذا الجدل هو رأي فقهي , وأنا أعلم أن رأيي يتبناه الأقلية من العلماء, وأن
أكثر العلماء على خلاف ما قلت , لكنّ ما المشكلة أن يختلف العلماء في حكم فقهي؟)
والجواب : أن المشكلة ليست في الجدل الفقهي وإنما في قوله الذي جاوز كل الجدل
الفقهي، فالفقهاء كلهم مجمعون على قتل المرتد واختلافهم إنما هو في التفاصيل (قتل
المرأة والاستتابة ونحوها) ثم لو سلمنا للسويدان أن هناك من قال بعدم القتل فهم
مجمعون على العقوبة، فالفقهاء يبحثون في العقوبة المناسبة ويختلفون في اشتراطاتها
وأقل عقوبة عندهم هي الحبس حتى يرجع،(في مثل المرأة) أما السويدان فهو يتحدث عن حق
مكفول وحرية مصانة، فثمة تصورين مختلفين، تصور إسلامي تجاوز مبدأ عقوبة المرتد
وكان بحثه في شروطها وتطبيقاتها، وتصور علماني ينافح ضد أصل العقاب ويدعي أن الردة
حرية مكفولة هو تصور السويدان، ولا يمكن أن يحتج لتصوره الخارج عن إطار الفكر
الإسلامي بما هو موجود في المباحث الفقهية.
21- من المغالطات التجني على موقف المذاهب الأربعة من المرتد بقوله : (ويعلم
العلماء والدعاة قبل غيرهم أن اجتماع المذاهب الأربعة على شيء لايمنع من مخالفته،
و إن كان اجتماعهم في الغالب صواباً ومظنة للحق ,فما بالكم بقضية اختلفت فيها
المذاهب الأربعة) والجواب في الكلام السابق وهو أنه لا المذاهب الأربعة ولا
غيرها خالف في عقوبة المرتد وإن اختلفوا في شروطها وتطبيقاتها، أما السويدان فهو
مخالف للتصور الإسلامي برمته.
22- في احتجاج ألصق باحتجاجات القرآنيين يقول السويدان : (لم ترد فيه -أي
القرآن- آية واحدة في حد الردة رغم حديث القران في عدة ايات عن الردة والمرتد)
ولا أدري كيف يلوك هذا الكلام مسلم يعلم أن السنة مستقلة بالتشريع، وأن كثيراً من
شرائع الإسلام إنما نجدها في السنة لا في القرآن، وعلى هذه الطريقة سيأتينا من
يقول: رغم حديث القرآن عن الصلاة فإنه لم ترد آية واحدة فيه تلزمنا بعدد مع
الركوعات أو صفة للصلاة معينة، فلنصلي ما شئنا، ورغم حديث القرآن عن الزكاة لم ترد
آية فيه تبين النصاب والتقديرات والأموال فلنا مطلق الزكاة دون التزامٍ بالسنة،
ورغم حديث القرآن عن الخمر لم يرد فيه عقوبة على شاربها فلا تلزمنا عقوبة وردت في
السنة ... إلخ
وبمثل هذه الطريقة الجاهلة نصل للتنصل من الإسلام وترك هدي الرسول صلى
الله عليه وسلم والإعراض عن أوامره، ولا ريب أنها طريقة لا يتنفسها من تنفس العلم
والإيمان.
23- في لقطة أبعد ما تكون عن الفقه والعلم يقول السويدان: (أيستقيم ..
أن يأتي الكتاب العزيز بحدود للسرقة و الزنا و هي دون الشرك بكثير ولا يذكر بيان
شافٍ لحد الردة ؟ بل ألا يرى الفقيه الخبير و الأصولي النحرير أن ورود أيات كثيرة
عديدة في الكفر والايمان مع ذكر الجزاء الأخروي فقط إشارة الى ماذهبنا اليه؟)
وللجواب على كلامه نقول: لا ريب أن طريقته هذه لا تليق بمؤمن بالسنة معظم لأوامر
الرسول صلى الله عليه وسلم وكأن القرآن لا ينص صراحة على أن طاعة الله والإيمان به
وبكلامه لا يتم إلا بأخذ ما يقوله الرسول وطاعته فيما يأمر، ولا أدري ما فائدة هذا
الإلزام بطاعة الرسول لو كان القرآن سيبين كل الشرائع، أما استشكاله ورود عقوبة
للسرقة مع عدم ورود عقوبة الردة مع أن الردة أعظم جرماً من السرقة فهو استشكال
ساذج، لأن هناك جرائم أعظم من السرقة لم يرد فيها عقوبة أصلاً فهل هذا يعني أنه لا
عقوبة عليها؟ إنه لا يلزم أن يكون معيار القرآن والسنة في ذكر العقوبات والحدود هو
عظم الجرائم من صغرها، وإنما يجوز أن يكون المعيار قوة الداعي إليها من عدمه،
فالسرقة والزنا دواعيها في المجتمع الإسلامي أكثر من دواعي الردة، وعلى أية حال:
فنحن نتلمس الحِكَم، وليس لنا أن نقدّم هذه الاعتراضات الساذجة كاشتراطات لنتقبل
حكم الله ورسوله أو نرفضهما، فإذا ثبت في القرآن عقوبة السارق وثبت في السنة عقوبة
المرتد فليس لنا أن نعترض بأن هذه أجرم من تلك أو أن ثمة ما هو أجرم منهما، لنسقط
بذلك الشرائع، ففهومنا قاصرة، وبهذه الطريقة نفتح الباب لكل فهمٍ قاصر لاحظ ما لا
يعجبه في الشريعة فنفاه، فأي طريقة من فقهٍ وعلمٍ تلك؟
24- يقول السويدان عن القرآن : (جاءت
عشرات الآيات فيه مؤكدة للحرية المطلقة في الدخول في الدين و الخروج منه)
والحرية التي جاءت في القرآن حرية كونية، أي حديث القرآن عن مكون من مكونات
الإنسان وهو قدرته على اختيار ما يشاء، وليست حرية شرعية بمعنى تشريع اختيار
الإنسان لنفسه، بل في الجانب الشرعي فإن القرآن مليء بعقوبات من يختار الكفر،
الأخروية والدنيوية، والقرآن يشرع جهاده وقمعه واستصغاره، في كل سورةٍ منه
تقريباً، وسيرة الأنبياء ومنهم نبينا عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه طافحة بشواهد
الاستعلاء والجبر للكفار، فهذا سليمان يرسل لبلقيس لما بلغه من الهدهد أنهم يسجدون
لغير الله [أَلَّا
تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ] بل ويهدد : [ارْجِعْ إِلَيْهِمْ
فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ
مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ] {النمل:37} وهذا الهدي النبوي من أصعب ما يكون على
السويدان وأمثاله فهمه، والاتساق معه، بعد أن تلوثوا بمفاهيم الغرب في الحرية.
25- من العجيب أن السويدان يُعمل العموم والاحتمال ضد ما أخذ به الفقهاء
كلهم وضد فهوم العلماء أجمعهم، أما شذوذاته وانفراداته وفهومه القاصرة فهي قطعية
مقدسة هي أصل الدين وجوهر الملة ومنطلقة من الوعي بالإسلام، يقول : (يغلب على
الاثار الواردة العموم والاحتمال, و الدليل كما هو معلوم اذا تطرق اليه الاحتمال
كساه ثوب الإجمال و سقط به الاستدلال) إن كل ما قدمه السويدان لتشييد رأيه
خطابيات ومصادرات وعمومات، وكل أدلته وفهومه مصروعة بالفهوم الصحيحة، فكيف له أن
يقطع برأيه الشاذ مع كل هذه الأحوال التي جاوزت كونها (احتمالات) إلى كونها
(حقائق) ؟ ثم هو يحاول إبطال ما تقرر في فقه الإسلام وأجمعوا عليه بأنه يتطرق إليه
الاحتمال ويقصد ضعف فهمه عن استيعابه ومزاحمة الشبهات له في عقله؟ اللهم إن هذا لا
يسوغ إلا في قانون الازدواجية واطراح العلمية والموضوعية !
26- يقول السويدان : (عدم اطراد الفعل النبوي في إقامة حد الردة , وعدم
الاطراد (أو النقض) أحد قوادح العلة عند الأصوليين) ولا أدري هنا ما هي العلة
التي يريد السويدان القدح فيها وهو هنا يقدح في حكم لا علة وهو حد الردة؟
إن دعوى عدم اطراد الفعل النبوي دعوى عارية عن الصحة غير مستقيمة عند
التحقيق، فإن حد الردة لم يشرع إلا في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولن
يجد السويدان ردة صريحة تركها الرسول صلى الله عليه وسلم دون عقاب ثم يؤرخ لنا هذه
الردة مبيناً تلوها للأمر بقتل المرتد، هذا العمل الموضوعي لن يقدم عليه السويدان
لأنه سيكتشف عند محاولة ذلك أن (عدم اطراد الفعل النبوي) مجرد وهم عشعش في رأسه،
وأن حوادث الردة في بادئ الإسلام التي لم يعاقب عليها بالقتل كانت قبل كثير من
الشرائع والحدود ومنها حد الردة.
27- يقول السويدان عن حكم الردة (وأخيرًا مخالفتها للصريح الواضح في
كتاب الله عز وجل من التأكيد المستمر و المتكرر على حرية المعتقد) والحقيقة أن
مثل هذا الكلام من شواهد تهوره وجرأته، فهل الصريح الواضح من القرآن غاب عن كل
علماء المسلمين وفقهائهم ثم أدركه السويدان بعد أربعة عشر قرناً الذي هو ليس بفقيه
كما يقرّ بلسانه؟ أي جرأة وعبث مع الشرع وأحكامه ومسائله يمتلكها؟
أين احترام الجدل الفقهي الذي كان ينادي به في مقاله ليزعم أن ما ذهب إليه
أئمة الإسلام وأعلامه وفقهاء المسلمون كلهم مخالفة واضحة وصريحة لكتاب الله؟
والله ليس ثم إلا مخالفة لمقررات الثورة الفرنسية والحرية العلمانية التي
سلبت عقل الدكتور السويدان وأسرته.
28 – نقل السويدان آراء معاصرين في حد الردة ثم تساءل بعد ذلك : ( أين
الإجماع بعد هذا ؟ ) وهذا تصرف لا يناسب من له أدنى ذائقة أصولية – سيما وقد
احتج في مقاله بهذه الذائقة – فمن المعلوم أن الإجماع المستقر منذ قرون الصحابة
مروراً بالقرون الإسلامية ومذاهب الفقهاء كافة لا يمكن التشغيب عليه بزلات رجال
متأخرين ظهروا في القرن الرابع عشر وعايشوا أجواء الاستبداد الغربي وظهرت لهم آراء
مع سطوة الفكر العلماني من الواجب محاكمتها إلى إجماع العلماء لا محاكمة الإجماع
إليها.
ما سبق : أبرز ما قدرته بحاجة إلى وقوفٍ من مغالطات وتناقضات السويدان في
بيانه، ويلخصها أنه تعامل باجتزاء وبطريقة غير منهجية وبتهور أيضاً مع البحث
الشرعي في المسألة التي تطرق إليها، وأن كثيراً من أبعاد المسألة وبدهياتها كان غائباً
عنه، ومع ذلك أخذ باندفاع عجيب يخالف ما تقرر في فقه المسلمين كلهم، وهذا صنيع لا يليق
بمسلم، فضلاً عن داعية، وليس في قلبي مثقال ذرة من شك أن السويدان ضال في هذه
المسألة، وأنه إن كرس وقته وجهده في الدعوة إليها وتأكيدها كان داعية ضلالة، فأولى
له لو تركها ويسعه ما وسع أئمة الإسلام وفقهاء المسلمين، فليس المسلمون يجهلون
دينهم حتى يأتيهم واحد ليس له في الفقه ولا في العلم قدم ولا موطئه ليقرر لهم
سيئات الفكر الغربي وعلمانياته زاعماً أنها مقدسة، وأنها جوهر الدين، وأساس الملة.
عبدالوهاب آل غظيف
مواضيع مشابهة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..